قوله تعالى :﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ و ﴿الظَّالِمُونَ﴾ و ﴿الْفَاسِقُونَ﴾ نزلت كلها في الكفار ؛ ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء، وقد تقدم. وعلى هذا المعظم. فأما المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة. وقيل : فيه إضمار ؛ أي ومن لم يحكم بما أنزل الله ردا للقرآن، وجحدا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام فهو كافر ؛ قال ابن عباس ومجاهد، فالآية عامة على هذا. قال ابن مسعود والحسن : هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار أي معتقدا ذلك ومستحلا له ؛ فأنا من فعل ذلك وهو معتقد أنه راكب محرم فهو من فساق المسلمين، وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له. وقال ابن عباس في رواية : ومن لم يحكم بما أنزل الله فقد فعل فعلا يضاهي أفعال الكفار. وقيل : أي ومن لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر ؛ فأما من حكم بالتوحيد ولم يحكم ببعض الشرائع فلا يدخل في هذه الآية، والصحيح الأول، إلا أن الشعبي قال : هي في اليهود خاصة، واختاره النحاس ؛ قال : ويدل على ذلك ثلاثة أشياء ؛ منها أن اليهود قد ذكروا قبل هذا في قوله :﴿لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ ؛ فعاد الضمير عليهم، ومنها أن سياق الكلام يدل على ذلك ؛ ألا ترى أن بعده ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ﴾ فهذا الضمير لليهود بإجماع ؛ وأيضا فإن اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقصاص. فإن قال قائل :﴿مِنْ﴾ إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلا أن يقع دليل على تخصيصها ؟ قيل له :﴿مِنْ﴾ هنا بمعنى الذي مع ما ذكرناه من الأدلة ؛ والتقدير : واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ؛ فهذا من أحسن ما قيل في هذا ؛ ويروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات أهي في بني إسرائيل ؟ قال : نعم هي فيهم، ولتسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل. وقيل :﴿الْكَافِرُونَ﴾ للمسلمين، و ﴿الظَّالِمُونَ﴾ لليهود، و ﴿الْفَاسِقُونَ﴾ للنصارى ؛ وهذا اختيار أبي بكر بن العربي، قال : لأنه ظاهر الآيات. وهو اختيار ابن عباس وجابر بن زيد وابن أبي زائدة وابن شبرمة والشعب أيضا. قال طاوس وغيره : ليس بكفر ينقل عن الملة، ولكنه كفر دون كفر،


الصفحة التالية
Icon