﴿ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ﴾ يريد المكره ؛ لأنه مظلوم فذلك موضوع عنه وإن كفر ؛ قال : ويجوز أن يكون المعنى ﴿ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ﴾ على البدل ؛ كأنه قال : لا يحب الله إلا من ظلم، أي لا يحب الله الظالم ؛ فكأنه يقول : يحب من ظلم أي يأجر من ظلم. والتقدير على هذا القول : لا يحب الله ذا الجهر بالسوء إلا من ظلم، على البدل. وقال مجاهد : نزلت في الضيافة فرخص له أن يقول فيه. قال ابن جريج عن مجاهد : نزلت في رجل ضاف رجلا بفلاة من الأرض فلم يضيفه فنزلت ﴿ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ﴾ ورواه ابن أبي نجيح أيضا عن مجاهد ؛ قال : نزلت هذه الآية ﴿ لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ﴾ في الرجل يمر بالرجل فلا يضيفه فرخص له أن يقول فيه : إنه لم يحسن ضيافته. وقد استدل من أوجب الضيافة بهذه الآية ؛ قالوا : لأن الظلم ممنوع منه فدل على وجوبها ؛ وهو قول الليث بن سعد. والجمهور على أنها من مكارم الأخلاق وسيأتي بيانها في "هود" والذي يقتضيه ظاهر الآية أن للمظلوم أن ينتصر من ظالمه - ولكن مع اقتصاد - وإن كان مؤمنا كما قال الحسن ؛ فأما أن يقابل القذف بالقذف ونحوه فلا ؛ وقد تقدم في "البقرة". وإن كان كافرا فأرسل لسانك وأدع بما شئت من الهلكة وبكل دعاء ؛ كما فعل النبي ﷺ حيث قال :"اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف" وقال :" اللهم عليك بفلان وفلان" سماهم. وإن كان مجاهرا بالظلم دعي عليه جهرا، ولم يكن له عرض محترم ولا بدن محترم ولا مال محترم. وقد روي أبو داود عن عائشة قال : سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه ؛ فقال رسول الله ﷺ :"لا تسبخي عنه" أي لا تخففي عنه العقوبة بدعائك عليه. وروي، أيضا عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن رسول الله ﷺ قال :"لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته". قال ابن المبارك : يحل عرضه يغلظ له، وعقوبته يحبس له. وفي صحيح مسلم "مطل الغني ظلم". فالموسر المتمكن إذا طولب بالأداء ومطل ظلم، وذلك يبيح من


الصفحة التالية
Icon