لا يذكرون حرائرهم في الملأ، ولا يبتذلون أسماءهن ؛ بل يكنون عن الزوجة بالعرس والأهل والعيال ونحو ذلك ؛ فإن ذكروا الإماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسماءهن عن الذكر والتصريح بها ؛ فلما قالت النصارى في مريم ما قالت، وفي ابنها صرح الله باسمها، ولم يكن عنها بالأموة والعبودية التي هي صفة لها ؛ وأجرى الكلام على عادة العرب في ذكر إمائها.
الثالثة : اعتقاد أن عيسى عليه السلام لا أب له واجب، فإذا تكرر اسمه منسوبا للام استشعرت القلوب ما يجب عليها اعتقاده من نفي الأب عنه، وتنزيه الأم الطاهرة عن مقالة اليهود لعنهم الله. والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ﴾ أي هو مكون بكلمة "كن" فكان بشرا من غير أب ؛ والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان صادرا عنه. وقيل :﴿كَلِمَتُهُ﴾ بشارة الله تعالى مريم عليها السلام، ورسالته إليها على لسان جبريل عليه السلام ؛ وذلك قوله :﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ﴾ وقيل :﴿الكلمة﴾ ههنا بمعنى الآية ؛ قال الله تعالى :﴿ وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا ﴾ و ﴿ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾. وكان لعيسى أربعة أسماء ؛ المسيح وعيسى وكلمة وروح، وقيل غير هذا مما ليس في القرآن. ومعنى ﴿ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ﴾ أمر بها مريم.
قوله تعالى :﴿ وَرُوحٌ مِنْهُ ﴾ هذا الذي أوقع النصارى في الإضلال ؛ فقالوا : عيسى جزء منه فجهلوا وضلوا ؛ وعنه أجوبة ثمانية : الأول : قال أبي بن كعب : خلق الله أرواح بني آدم لما أخذ عليهم الميثاق ؛ ثم ردها إلى صلب آدم وأمسك عنده روح عيسى عليه السلام ؛ فلما أراد خلقه أرسل ذلك الروح إلى مريم، فكان منه عيسى عليه السلام ؛ فلهذا قال :﴿ وَرُوحٌ مِنْهُ ﴾. وقيل : هذه الإضافة للتفضيل وإن كان جميع الأرواح من خلقه ؛ وهذا كقوله :﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ﴾، وقيل : قد يسمى من تظهر منه الأشياء العجيبة روحا، وتضاف إلى الله تعالى فيقال : هذا روح من الله أي من خلقه ؛ كما يقال في النعمة إنها من الله. وكان عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فاستحق هذا الاسم. وقيل :