بها، فأدع الناس إلى نحلتك، ثم دخل المذبح فذبح نفسه ؛ فلما كان يوم ثالثه دعا كل واحد منهم الناس إلى نحلته، فتبع كل واحد منهم طائفة، فاقتتلوا واختلفوا إلى يومنا هذا، فجميع النصارى من الفرق الثلاث ؛ فهذا كان سبب شركهم فيما يقال ؛ والله أعلم. وقد رويت هذه القصة في معنى قوله تعالى :﴿ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ وسيأتي إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى :﴿ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ﴾ ﴿ خَيْراً ﴾ منصوب عند سيبويه بإضمار فعل ؛ كأنه قال : ائتوا خيرا لكم، لأنه إذا نهاهم عن الشرك فقد أمرهم بإتيان ما هو خير لهم ؛ قال سيبويه : ومما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره ﴿ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ﴾ لأنك إذا قلت : انته فأنت تخرجه من أمر وتدخله في أخر ؛ وأنشد :
فواعديه سرحتي مالك... أو الربا بينهما أسهلا
ومذهب أبي عبيدة : انتهوا يكن خيرا لكم ؛ قال محمد بن يزيد : هذا خطأ ؛ لأنه يضمر الشرط وجوابه، وهذا لا يوجد في كلام العرب. ومذهب الفراء أنه نعت لمصدر محذوف ؛ قال علي بن سليمان : هذا خطأ فاحش ؛ لأنه يكون المعنى : انتهوا الانتهاء الذي هو خير لكم.
قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ هذا ابتداء وخبر ؛ و ﴿ وَاحِدٌ ﴾ نعت له. ويجوز أن يكون ﴿ إِلَهٌ ﴾ بدلا من اسم الله عز وجل و ﴿ وَاحِدٌ ﴾ خبره ؛ التقدير إنما المعبود واحد. ﴿ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ﴾ أي تنزيها عن أن يكون له ولد ؛ فلما سقط "عن" كان "أن" في محل النصب بنزع الخافض ؛ أي كيف يكون له ولد ؟ وولد الرجل مشبه له، ولا شبيه لله عز وجل. ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ فلا شريك له، وعيسى ومريم من جملة ما في السموات وما في الأرض، وما فيهما مخلوق، فكيف يكون عيسى إلها وهو مخلوق ! وإن جاز ولد فليجز أولاد حتى يكون كل من ظهرت عليه معجزة ولدا له. ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾ أي لأوليائه ؛ وقد تقدم.


الصفحة التالية
Icon