قرأت كتاب رسول الله ﷺ الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وفي صدره :" هذا بيان للناس من الله ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ فكتب الآيات فيها إلى قوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ " وقال الزجاج : المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم بعضكم على بعض. وهذا كله راجع إلى القول بالعموم وهو الصحيح في الباب ؛ قال ﷺ :"المؤمنون عند شروطهم" وقال :"كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط" فبين أن الشرط أو العقد الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله أي دين الله ؛ فإن ظهر فيها ما يخالف رد ؛ كما قال ﷺ :"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد". ذكر ابن إسحاق قال : اجتمعت قبائل من قريش في دار عبدالله بن جدعان - لشرفه ونسبه - فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته ؛ فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وهو الذي قال فيه الرسول ﷺ :"لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعي به في الإسلام لأجبت". وهذا الحلف هو المعنى المراد في قوله عليه السلام :"وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة" لأنه موافق للشرع إذ أمر بالانتصاف من الظالم ؛ فأما ما كان من عهودهم الفاسدة وعقودهم الباطلة على الظلم والغارات فقد هدمه الإسلام والحمد لله. قال ابن إسحاق : تحامل الوليد بن عتبة على الحسين بن علي في مال له - لسلطان الوليد ؛ فإنه كان أميرا على المدينة - فقال له الحسين : أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن بسيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله ﷺ ثم لأدعون بحلف الفضول. قال عبدالله بن الزبير : وأنا أحلف بالله لئن دعاني لآخذن بسيفي ثم لأقومن معه حتى ينتصف من حقه أو نموت جميعا ؛ وبلغت المسور بن مخرمة فقال مثل ذلك ؛ وبلغت عبدالرحمن بن عثمان بن عبيدالله التيمي فقال مثل ذلك ؛ فلما بلغ ذلك الوليد أنصفه
الثالثة- قوله تعالى :﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ﴾ الخطاب لكل من ألتزم الإيمان على وجهه وكماله ؛ وكانت للعرب سنن في الأنعام من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، يأتي