قوله تعالى :﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ أي للجزاء، كما سبق في خبر أبي هريرة، وفي صحيح مسلم عنه أن رسول الله ﷺ قال :"لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء". ودل بهذا على أن البهائم تحشر يوم القيامة ؛ وهذا قول أبي ذر وأبي هريرة والحسن وغيرهم ؛ وروي عن ابن عباس ؛ قال ابن عباس في رواية : حشر الدواب والطير موتها ؛ وقال الضحاك ؛ والأول أصح لظاهر الآية والخبر الصحيح ؛ وفي التنزيل ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ وقول أبي هريرة فيما روى جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عنه : يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة، البهائم والدواب والطير وكل شيء ؛ فيبلغ من عدل الله تعالى يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول :﴿كُونِي تُرَاباً﴾ فذلك قوله تعالى :﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً﴾. وقال عطاء : فإذا رأوا بني آدم وما هم عليه من الجزع قلن : الحمد لله الذي لم يجعلنا مثلكم، فلا جنة نرجو ولا نار نخاف ؛ فيقول الله تعالى لهن :"كن ترابا" فحينئذ يتمنى الكافر أن يكون تراب. وقالت جماعة : هذا الحشر الذي في الآية يرجع إلى الكفار وما تخلل كلام معترض وإقامة حجج ؛ وأما الحديث فالمقصود منه التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص والاعتناء فيه حتى يفهم منه أنه لا بد لكل أحد منه، وأنه لا محيص له عنه ؛ وعضدوا هذا بما في الحديث في غير الصحيح عن بعض رواته من الزيادة فقال : حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء، وللحجر لما ركب على الحجر، وللعود لما خدش العود ؛ قالوا : فظهر من هذا أن المقصود منه التمثيل المفيد للاعتبار والتهويل، لأن الجمادات لا يعقل خطابها ولا ثوابها ولا عقابها، ولم يصر إليه أحد من العقلاء، ومتخيله من جملة المعتوهين الأغبياء ؛ قالوا : ولأن القلم لا يجري عليهم فلا يجوز أن يؤاخذوا.
قلت : الصحيح القول الأول لما ذكرناه من حديث أبي هريرة، وإن كان القلم لا يجري عليهم في الأحكام ولكن فيما بينهم يؤاخذون به ؛ وروي عن أبي ذر قال : انتطحت شاتان عند النبي ﷺ فقال :"يا أبا ذر هل تدري فيما انتطحتا ؟ " قلت :


الصفحة التالية
Icon