في هذه الأشياء ؛ فروي عنه أنه لا يؤكل إلا ما ذكي بذكاة صحيحة ؛ والذي في الموطأ أنه إن كان ذبحها ونفسها يجري، وهي تضطرب فليأكل ؛ وهو الصحيح من قوله الذي كتبه بيده وقرأه على الناس من كل بلد طول عمره ؛ فهو أولى من الروايات النادرة. وقد أطلق علماؤنا على المريضة أن المذهب جواز تذكيتها ولو أشرفت على الموت إذا كانت فيها بقية حياة ؛ وليت شعري أي فرق بين بقية حياة من مرض، وبقية حياة من سبع لو أتسق النظر، وسلمت من الشبهة الفكر !. وقال أبو عمرو : قد أجمعوا في المريضة التي لا ترجى حياتها أن ذبحها ذكاة لها إذا كانت فيها الحياة في حين ذبحها، وعلم ذلك منها بما ذكروا من حركة يدها أو رجلها أو ذنبها أو نحو ذلك ؛ وأجمعوا أنها إذا صارت في حال النزع ولم تحرك يدا ولا رجلا أنه لا ذكاة فيها ؛ وكذلك ينبغي في القياس أن يكون حكم المتردية وما ذكر معها في الآية. والله أعلم.
الثامنة : قوله تعالى :﴿ ذَكَّيْتُمْ ﴾ الذكاة في كلام العرب الذبح ؛ قاله قطرب. وقال ابن سيده في "المحكم" والعرب تقول "ذكاة الجنين ذكاة أمه" ؛ قال ابن عطية : وهذا إنما هو حديث. وذكى الحيوان ذبحه ؛ ومنه قول الشاعر :
يذكيها الأسل
قلت : الحديث الذي أشار إليه أخرجه الدارقطني من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وعلي وعبدالله عن النبي ﷺ قال :"ذكاة الجنين ذكاة أمه " وبه يقول جماعة أهل العلم، إلا ما روي عن أبي حنيفة أنه قال : إذا خرج الجنين من بطن أمه ميتا لم يحل أكله ؛ لأن ذكاة نفس لا تكون ذكاة نفسين. قال ابن المنذر : وفي قول النبي ﷺ :"ذكاة الجنين ذكاة أمه" دليل على أن الجنين غير الأم، وهو يقول : لو أعتقت أمة حامل أن عتقه عتق أمه ؛ وهذا يلزمه أن ذكاته ذكاة أمه ؛ لأنه إذا أجاز أن يكون عتق واحد عتق اثنين جاز أن يكون ذكاة واحد ذكاة اثنين ؛ على أن الخبر عن النبي ﷺ، وما جاء عن أصحابه، وما عليه جل الناس مستغنى به عن قول كل قائل. وأجمع أهل العلم على