الثامنة عشرة : قوله تعالى :﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ﴾ معطوف على ما قبله، و ﴿أن﴾ في محل رفع، أي وحم عليكم الاستقسام. والأزلام قداح الميسر، واحدها زلم وزلم ؛ قال :
بات يقاسيها غلام كالزلم
وقال آخر، فجمع :
فلئن جذيمة قتلت سرواتها | فنساؤها يضربن بالأزلام |
تزل عن الثرى أزلامها
فقالوا : أراد أظلاف البقرة الوحشية. والأزلام العرب ثلاثة أنواع :
منها الثلاثة التي كان يتخذها كل إنسان لنفسه، على أحدها أفعل، وعلى الثاني لا تفعل، والثالث مهمل لا شيء عليه، فيجعلها في خريطة معه، فإذا أراد فعل شيء أدخل يده - وهي متشابهة - فإذا خرج أحدها ائتمر وانتهى بحسب ما يخرج له، وإن خرج القدح الذي لا شيء عليه أعاد الضرب ؛ وهذه هي التي ضرب بها سراقة بن مالك بن جعشم حين أتبع النبي ﷺ وأبا بكر وقت الهجرة ؛ وإنما قيل لهذا الفعل : استقسام لأنهم كانوا يستقسمون به الرزق وما يريدون ؛ كما يقال : الاستسقاء في الاستدعاء للسقي. ونظير هذا الذي حرمه الله تعالى قول المنجم : لا تخرج من أجل نجم كذا، وأخرج من أجل نجم كذا. وقال جل وعز :﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً ﴾ الآية. وسيأتي بيان هذا مستوفى إن شاء الله.
والنوع الثاني : سبعة قداح كانت عند هبل في جوف الكعبة مكتوب عليها ما يدور بين الناس من النوازل، كل قدح منها فيه كتاب ؛ قدح فيه العقل من أم الديات، وفي آخر "منكم" وفي آخر "من غيركم"، وفي آخر "ملصق"، وفي سائرها أحكام المياه وغير ذلك،