إلى قوله :﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ ﴾ قال : ففسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة من أجله بما بعده من نقضهم الميثاق وقتلهم الأنبياء وسائر ما بين من الأشياء التي ظلموا فيها أنفسهم. وأنكر ذلك الطبري وغيره ؛ لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى، والذين قتلوا الأنبياء ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى بزمان، فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برميهم مريم بالبهتان. قال المهدوي وغيره : وهذا لا يلزم ؛ لأنه يجوز أن يخبر عنهم والمراد آباؤهم ؛ على ما تقدم في "البقرة". قال الزجاج : المعنى فبنقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ؛ لأن هذه القصة ممتدة إلى قوله :﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا ﴾. ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل : المعنى فبنقضهم ميثاقهم وفعلهم كذا وفعلهم كذا طبع الله على قلوبهم. وقيل : المعنى فبنقضهم لا يؤمنون إلا قليلا ؛ والفاء مقحمة. و ﴿ وَكُفْرِهِمْ ﴾ عطف، وكذا و ﴿ وَقَتْلِهِمُ ﴾. والمراد ﴿ بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾ كتبهم التي حرفوها. و ﴿ غُلْفٌ ﴾ جمع غلاف ؛ أي قلوبنا أوعية للعلم فلا حاجة بنا إلى علم سوى ما عندنا. وقيل : هو جمع أغلف وهو المغطى بالغلاف ؛ أي قلوبنا في أغطية فلا نفقه ما تقول ؛ وهو كقوله :﴿ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ ﴾ وقد تقدم هذا في "البقرة" وغرضهم بهذا درء حجة الرسل. والطبع الختم ؛ وقد تقدم في "البقرة". ﴿ بِكُفْرِهِمْ ﴾ أي جزاء لهم على كفرهم ؛ كما قال :﴿ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ ﴾ أي إلا إيمانا قليلا أي ببعض الأنبياء، وذلك غير نافع لهم. ثم كرر ﴿ وَبِكُفْرِهِمْ ﴾ ليخبر أنهم كفروا كفرا بعد كفر. وقيل : المعنى ﴿ وَبِكُفْرِهِمْ ﴾ بالمسيح ؛ فحذف لدلالة ما بعده عليه، والعامل في ﴿ بِكُفْرِهِمْ ﴾ هو العامل في ﴿بِنَقْضِهِمْ﴾ لأنه معطوف عليه، ولا يجوز أن يكون العامل فيه ﴿ طَبَعَ ﴾. والبهتان العظيم رميها بيوسف النجار وكان من الصالحين منهم. والبهتان الكذب المفرط الذي يتعجب منه وقد تقدم. والله سبحانه وتعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon