في قوله :﴿ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ﴾ فلو كان معناها التبعيض لإفادته في ذلك الموضع، وهذا قاطع. وقيل : إنما دخلت لتفيد معنى بديعا وهو أن الغسل لغة يقتضي مغسولا به، والمسح لغة لا يقتضي ممسوحا به ؛ فلو قال : وامسحوا رؤوسكم لأجزأ المسح باليد إمرارا من غير شيء على الرأس ؛ فدخلت الباء لتفيد ممسوحا به وهو الماء، فكأنه قال : وامسحوا برؤوسكم الماء ؛ وذلك فصيح في اللغة على وجهين ؛ إما على القلب كما أنشد سيبويه :
كنواح ريش حمامة بخديه | ومسحت باللثتين عصف الإثمد |
واللثة هي الممسوحة بعصف الإثمد فقلب، وإما على الاشتراك في الفعل والتساوي في نسبته كقول الشاعر :
مثل القنافذ هداجون قد بلغت | نجران أو بلغت سوءاتهم هجر |
فهذا ما لعلمائنا في معنى الباء. وقال الشافعي : احتمل قول الله تعالى :
﴿ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ﴾ بعض الرأس ومسح جميعه فدلت السنة أن مسح بعضه يجزئ، وهو أن النبي صلى الله علبه وسلم مسح بناصيته ؛ وقال في موضع آخر : فإن قيل قد قال الله عز وجل :
﴿ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ﴾ في التيمم أيجزئ بعض الوجه فيه ؟ قيل له : مسح الوجه في التيمم بدل من غسله ؛ فلا بد أن يأتي بالمسح على جميع موضع الغسل منه، ومسح الرأس أصل ؛ فهذأ فرق ما بينهما. أجاب علماؤنا عن الحديث بأن قالوا : لعل النبي ﷺ فعل ذلك لعذر لا سيما وكان هذا الفعل منه ﷺ في السفر وهو مظنة الأعذار، وموضع الاستعجال والاختصار، وحذف كثير من الفرائض لأجل المشقات والأخطار ؛ ثم هو لم يكتف بالناصية حتى مسح على العمامة ؛ أخرجه مسلم من حديث المغيرة بن شعبة ؛ فلو لم يكن مسح جميع الرأس واجبا لما مسح على العمامة ؛ والله أعلم