فيه أربع مسائل :-
الأولى : قوله تعالى :﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ﴾ ﴿مَا﴾في موضع رفع بالابتداء ؛ أي أي شيء منعك. وهذا سؤال توبيخ. ﴿أَلَّا تَسْجُدَ﴾ في موضع نصب، أي من أن تسجد. و﴿لا﴾ زائدة. وفي ص ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ﴾ [ص : ٧٥] وقال الشاعر :
أبى جوده لا البخل فاستعجلت به | نعم من فتى لا يمنع الجود نائله |
أراد أبى جوده البخل، فزاد
﴿لا﴾. وقيل : ليست بزائدة ؛ فان المنع فيه طرف من القول والدعاء، فكأنه قال : من قال لك ألا تسجد ؟ أو من دعاك إلى ألا تسجد ؟ كما تقول : قد قلت لك ألا تفعل كذا. وقيل : في الكلام حذف، والتقدير : ما منعك من الطاعة وأحوجك إلى ألا تسجد. قال العلماء : الذي أحوجه إلى ترك السجود هو الكبر والحسد ؛ وكان أضمر ذلك في نفسه إذا أمر بذلك. وكان أمره من قبل خلق آدم ؛ يقول الله تعالى :
﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [ص : ٧١، ٧٢]. فكأنه دخله أمر عظيم من قوله
﴿فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾. فإن في الوقوع توضيع الواقع وتشريفا لمن وقع له ؛ فأضمر في نفسه ألا يسجد إذا أمره في ذلك الوقت. فلما نفخ فيه الروح وقعت الملائكة سجدا، وبقي هو قائما بين أظهرهم ؛ فأظهر بقيامه وترك السجود ما في ضميره. فقال الله تعالى :
﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾ أي ما منعك من الانقياد لأمري ؛ فأخرج سر ضميره فقال :
﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾.
الثانية : قوله تعالى :
﴿إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ يدل على ما يقوله الفقهاء من أن الأمر يقتضي الوجوب بمطلقه من غير قرينة ؛ لأن الذم علق على ترك الأمر المطلق الذي هو قوله عز وجل للملائكة :
﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ وهذا بين.
الثالثة : قوله تعالى :
﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ أي منعني من السجود فضلي عليه ؛ فهذا من إبليس جواب على المعنى. كما تقول : لمن هذه الدار ؟ فيقول المخاطب : مالكها