قوله تعالى :﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ قال قتادة : سأمنعهم فهم كتابي. وقاله سفيان بن عيينة. وقيل : سأصرفهم عن الإيمان بها. وقيل : سأصرفهم عن نفعها ؛ وذلك مجازاة على تكبرهم. نظيره :﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف : ٥]. والآيات على هذا المعجزات أو الكتب المنزلة. وقيل : خلق السماوات والأرض. أي أصرفهم عن الاعتبار بها. ﴿يَتَكَبَّرُونَ﴾ يرون أنهم أفضل الخلق. وهذا ظن باطل ؛ فلهذا قال :﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ فلا يتبعون نبيا ولا يصغون إليه لتكبرهم.
قوله تعالى :﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾ يعني هؤلاء المتكبرون. أخبر عنهم أنهم يتركون طريق الرشاد ويتبعون سبيل الغي والضلال ؛ أي الكفر يتخذونه دينا. "ثم علل فقال :﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا﴾ أي ذلك الفعل الذي فعلته بهم بتكذيبهم. ﴿وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ أي كانوا في تركهم تدبر الحق كالغافلين. ويحتمل أن يكونوا غافلين عما يجازون به ؛ كما يقال : ما أغفل فلان عما يراد به ؛ وقرأ مالك بن دينار ﴿وَإِنْ يَرَوْا﴾ بضم الياء في الحرفين ؛ أي يفعل ذلك بهم. وقرأ أهل المدينة وأهل البصرة ﴿سَبِيلَ الرُّشْدِ﴾ بضم الراء وإسكان الشين. وأهل الكوفة إلا عاصما ﴿الرَّشَد﴾ بفتح الراء والشين. قال أبو عبيد : فرق أبو عمرو بين الرشد والرشد فقال : الرشد في الصلاح. والرشد في الدين. قال النحاس :"سيبويه يذهب إلى أن الرشد والرشد مثل السخط والسخط، وكذا قال الكسائي. والصحيح عن أبي عمرو غير ما قال أبو عبيد. قال إسماعيل بن إسحاق : حدثنا نصر بن علي عن أبيه عن أبي عمرو بن العلاء قال : إذا كان الرشد وسط الآية فهو مسكن، وإذا كان رأس الآية فهو محرك. قال النحاس : يعني برأس الآية نحو ﴿وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً﴾ [الكهف : ١٠] فهما عنده لغتان بمعنى واحد ؛ إلا أنه فتح هذا لتتفق الآيات. ويقال : رشد يرشد، ورشد يرشد. وحكى سيبويه رشد يرشد. وحقيقة الرشد والرشد في اللغة أن يظفر الإنسان بما يريد، وهو ضد الخيبة".