وكان السامري سمع قولهم ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف : ١٣٨]. وكانت تلك الآلهة على مثال البقر ؛ فصاغ لهم عجلا جسدا، أي مصمتا ؛ غير أنهم كانوا يسمعون منه خوار. وقيل : قلبه الله لحما ودما. وقيل : إنه لما ألقى تلك القبضة من التراب في النار على الحلي صار عجلا له خوار ؛ فخار خورة واحدة ولم يثن ثم قال للقوم :﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه : ٨٨]. يقول : نسيه ههنا وذهب يطلبه فضل عنه - فتعالوا نعبد هذا العجل. فقال الله لموسى وهو يناجيه :﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾ [طه : ٨٥]. فقال موسى : يا رب، هذا السامري أخرج لهم عجلا من حليهم، فمن جعل له جسدا ؟ - يريد اللحم والدم - ومن جعل له خوارا ؟ فقال الله سبحانه : أنا فقال : وعزتك وجلالك ما أضلهم غيرك. قال صدقت يا حكيم الحكماء. وهو معنى قوله :﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾ [الأعراف : ١٥٥]. وقال القفال : كان السامري احتال بأن جوف العجل، وكان قابل به الريح، حتى جاء من ذلك ما يحاكي الخوار، وأوهمهم أن ذلك إنما صار كذلك لما طرح في الجسد من التراب الذي كان أخذه من تراب قوائم فرس جبريل. وهذا كلام فيه تهافت ؛ قاله القشيري.
قوله تعالى :﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ﴾ بين أن المعبود يجب أن يتصف بالكلام. ﴿وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً﴾ أي طريقا إلى حجة. ﴿اتَّخَذُوهُ﴾ أي إلها. ﴿وَكَانُوا ظَالِمِينَ﴾ أي لأنفسهم فيما فعلوا من اتخاذه. وقيل : وصاروا ظالمين أي مشركين لجعلهم العجل إلها.
الآية : ١٤٩ ﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾
قوله تعالى :﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ﴾ أي بعد عود موسى من الميقات. يقال للنادم المتحير : قد سقط في يده. قال الأخفش : يقال سقط في يده، وأسقط. ومن قال : سقط في أيديهم على بناء الفاعل ؛ فالمعنى عنده : سقط الندم ؛ قال الأزهري والنحاس وغيرهما.