فعل ذلك لموجدته عليه ؛ إذ لم يلحق به فيعرفه ما جرى ليرجع فيتلافاهم ؛ ولهذا قال :﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه : ٩٢ - ٩٣] الآية. فبين هارون أنه إنما أقام خوفا على نفسه من القتل. فدلت الآية على أن لمن خشي القتل على نفسه عند تغيير المنكر أن يسكت. ابن العربي : وفيها دليل على أن الغضب لا يغير الأحكام كما زعم بعض الناس ؛ فإن موسى عليه السلام لم يغير غضبه شيئا من أفعاله، بل اطردت على مجراها من إلقاء لوح وعتاب أخ وصك ملك. الهدوي : لأن غضبه كان لله عز وجل، وسكوته عن بني إسرائيل خوفا أن يتحاربوا أو يتفرقوا.
قوله تعالى :﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ﴾ وكان ابن أمه وأبيه. ولكنها كلمة لين وعطف. قال الزجاج : قيل كان هارون أخا موسى لأمه لا لأبيه. وقرئ بفتح الميم وكسرها ؛ فمن فتح جعل ﴿ابْنَ أُمَّ﴾ اسما واحدا كخمسة عشر ؛ فصار كقولك : يا خمسة عشر أقبلوا. ومن كسر الميم جعله مضافا إلى ضمير المتكلم ثم حذف ياء الإضافة ؛ لأن مبنى النداء على الحذف، وأبقى الكسرة في الميم لتدل على الإضافة ؛ كقوله :"يا عباد} [الزمر : ١٠]. يدل عليه قراءة ابن السميقع ﴿يا ابنَ أمّي﴾ بإثبات الياء على الأصل. وقال الكسائي والفراء وأبو عبيد :﴿يا ابن أمَّ﴾ بالفتح، تقديره يا ابن أماه. وقال البصريون : هذا القول خطأ ؛ لأن الألف خفيفة لا تحذف، ولكن جعل الاسمين اسما واحدا. وقال الأخفش وأبو حاتم :﴿يا بن أمَّ﴾ بالكسر كما تقول : يا غلام غلام أقبل، وهي لغة شاذة والقراءة بها بعيدة. وإنما هذا فيما يكون مضافا إليك ؛ فأما المضاف إلى مضاف إليك فالوجه أن تقول : يا غلام غلامي، ويا ابن أخي. وجوزوا يا ابن أم، يا ابن عم، لكثرتها في الكلام. قال الزجاج والنحاس : ولكن لها وجه حسن جيد، يجعل الابن مع الأم ومع العم اسما واحدا ؛ بمنزلة قولك : يا خمسة عشر أقبلوا، فحذفت الياء كما حذفت من يا غلام ﴿إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي﴾ استذلوني وعدوني ضعيفا. ﴿وَكَادُوا﴾ أي قاربوا.﴿يَقْتُلُونَنِي﴾ بنونين ؛ لأنه فعل مستقبل. ويجوز الإدغام في غير القرآن. ﴿فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ﴾


الصفحة التالية
Icon