قلت : هذا فيه نظر ؛ فإن الله عز وجل يقول :﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ إلى قوله ﴿لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء : ١٠١ - ١٠٣] وقال في غير آية :﴿وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة : ٦٢] وقال :﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا﴾ [فصلت : ٣٠] الآية. وهذا عام فلا يتغير بفضل الله في موطن من المواطن لا قبل النظر ولا بعده وجه المحسن بسواد من كآبة ولا حزن، ولا يعلوه شيء من دخان جهنم ولا غيره. ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران : ١٠٧].
الآية : ٢٧ ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ﴾ أي عملوا المعاصي. وقيل : الشرك. ﴿جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا﴾ ﴿جَزَاءُ﴾ مرفوع بالابتداء، وخبره ﴿بِمِثْلِهَا﴾. قال ابن كيسان : الباء زائدة ؛ والمعنى جزاء سيئة مثلها. وقيل : الباء مع ما بعدها الخبر، وهي متعلقة بمحذوف قامت مقامه، والمعنى : جزاء سيئة كائن بمثلها ؛ كقولك : إنما أنابك ؛ أي وإنما أنا كائن بك. ويجوز أن تتعلق بجزاء، التقدير : جزاء السيئة بمثلها كائن ؛ فحذف خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون ﴿جَزَاءُ﴾ مرفوعا على تقدير فلهم جزاء سيئة ؛ فيكون مثل قوله :﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة : ١٨٤] أي فعليه عدة، وشبهه ؛ والباء على هذا التقدير تتعلق بمحذوف، كأنه قال لهم جزاء سيئة ثابت بمثلها، أو تكون مؤكدة أو زائدة.
ومعنى هذه المثلية أن ذلك الجزاء مما يعد مماثلا لذنوبهم، أي هم غير مظلومين، وفعل الرب جلت قدرته وتعالى شأنه غير معلل بعلة. ﴿وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ أي يغشاهم هوان وخزي. ﴿مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ﴾ أي من عذاب الله. ﴿مِنْ عَاصِمٍ﴾ أي مانع يمنعهم منه.


الصفحة التالية
Icon