قوله تعالى :﴿فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ ﴿شَهِيداً﴾ مفعول، أي كفى الله شهيدا، أو تمييز، أي اكتف به شهيدا بيننا وبينكم إن كنا أمرناكم بهذا أو رضيناه منكم. ﴿إِنْ كُنَّا﴾أي ما كنا ﴿عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ إلا غافلين لا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ؛ لأنا كنا جمادا لا روح فينا.
الآية : ٣٠ ﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾
قوله تعالى :﴿هُنَالِكَ﴾ في موضع نصب على الظرف. ﴿تَبْلُو﴾ أي في ذلك الوقت. ﴿تَبْلُو﴾ أي تذوق. وقال الكلبي : تعلم. مجاهد : تختبر. ﴿كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ﴾ أي جزاء ما عملت وقدمت. وقيل : تسلم، أي تسلم ما عليها من الحقوق إلى أربابها بغير اختيارها. وقرأ حمزة والكسائي ﴿تتلو﴾ أي تقرأ كل نفس كتابها الذي كتب عليها. وقيل :﴿تتلو﴾ تتبع ؛ أي تتبع كل نفس ما قدمت في الدنيا ؛ قاله السدي. ومنه قول الشاعر :

إن المريب يتبع المريبا كما رأيت الذيب يتلو الذيبا
قوله تعالى :﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ﴾ بالخفض على البدل أو الصفة. ويجوز نصب الحق من ثلاث جهات ؛ يكون التقدير : وردوا حقا، ثم جيء بالألف واللام. ويجوز أن يكون التقدير : مولاهم حقا لا ما يعبدون من دونه. والوجه الثالث أن يكون مدحا ؛ أي أعني الحق. ويجوز أن يرفع﴿الْحَقِّ﴾، ويكون المعنى مولاهم الحق - على الابتداء والخبر والقطع مما قبل - لا ما يشركون من دونه. ووصف نفسه سبحانه بالحق لأن الحق منه كما وصف نفسه بالعدل لأن العدل منه ؛ أي كل عدل وحق فمن قبله، وقال ابن عباس :﴿مَوْلاهُمُ الْحَقِّ﴾ أي الذي يجازيهم بالحق. ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ﴾ أي بطل. ﴿مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ ﴿يَفْتَرُونَ﴾ في موضع رفع وهو بمعنى المصدر، أي افتراؤهم. فإن قيل : كيف قال :﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ﴾ وقد أخبر بأن الكافرين لا مولى لهم. قيل ليس بمولاهم في النصرة والمعونة، وهو مولى لهم في الرزق وإدرار النعم.


الصفحة التالية
Icon