كان الله قد خصه من الأنفال والغنائم ما لم يجعله لغيره، وذلك لقوله :﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال : ١] الآية، فنرى أن هذا كان خاصا له والجهة الأخرى أنه سن لمكة سننا ليست لشيء من البلاد. وأما قصة حنين فقد عوض الأنصار لما قالوا : يعطي الغنائم قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم! فقال لهم :"أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله ﷺ إلى بيوتكم" خرجه مسلم وغيره. وليس لغيره أن يقول هذا القول، مع أن ذلك خاص به على ما قاله بعض علمائنا. والله أعلم.
الثالثة : لم يختلف العلماء أن قوله :﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ ليس على عمومه، وأنه يدخله الخصوص، فمما خصصوه بإجماع أن قالوا : سلب المقتول لقاتله إذا نادى به الإمام. وكذلك الرقاب، أعني الأسارى، الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف، على ما يأتي بيانه. ومما خص به أيضا الأرض. والمعنى : ما غنمتم من ذهب وفضة وسائر الأمتعة والسبي. وأما الأرض فغير داخلة في عموم هذه الآية، لما روى أبو داود عن عمر بن الخطاب أنه قال :(لولا أخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله ﷺ خيبر). ومما يصحح هذا المذهب ما رواه الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :"منعت العراق قفيزها ودرهمها ومنعت الشام مدها ودينارها" الحديث. قال الطحاوي :"منعت" بمعنى ستمنع، فدل ذلك على أنها لا تكون للغانمين، لأن ما ملكه الغانمون لا يكون فيه قفيز ولا درهم، ولو كانت الأرض تقسم ما بقي لمن جاء بعد الغانمين شيء. والله تعالى يقول :﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر : ١٠] بالعطف على قوله :﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ﴾ [الحشر : ٨]. قال : وإنما يقسم ما ينقل من موضع إلى موضع. وقال الشافعي : كل ما حصل من الغنائم من أهل دار الحرب من شيء قل أو كثر من دار أو أرض أو متاع أو غير ذلك قسم، إلا الرجال البالغين فإن الإمام فيهم مخير أن يمن أو يقتل أو يسبي. وسبيل ما أخذ منهم وسبي سبيل الغنيمة. واحتج بعموم الآية. قال : والأرض مغنومة لا محالة، فوجب أن تقسم كسائر الغنائم. وقد قسم