الثالثة : قوله تعالى :﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ عام في كل موضع. وخص أبو حنيفة رضي الله عنه المسجد الحرام، كما سبق في سورة "البقرة" ثم اختلفوا، فقال الحسين بن الفضل : نسخت هذه كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء. وقال الضحاك والسدي وعطاء : هي منسوخة بقوله :﴿فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد : ٤]. وأنه لا يقتل أسير صبرا، إما أن يمن عليه وإما أن يفادى. وقال مجاهد وقتادة : بل هي ناسخة لقوله تعالى :﴿فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ وأنه لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل. وقال ابن زيد : الآيتان محكمتان. وهو الصحيح، لأن المن والقتل والفداء لم يزل من حكم رسول الله ﷺ فيهم من أول حرب حاربهم، وهو يوم بدر كما سبق. وقوله :﴿وَخُذُوهُمْ﴾ يدل عليه. والأخذ هو الأسر. والأسر إنما يكون للقتل أو الفداء أو المن على ما يراه الإمام. ومعنى :﴿احْصُرُوهُمْ﴾ يريد عن التصرف إلى بلادكم والدخول إليكم، إلا أن تأذنوا لهم فيدخلوا إليكم بأمان.
الرابعة : قوله تعالى :﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ المرصد : الموضع الذي يرقب فيه العدو، يقال : رصدت فلانا أرصده، أي رقبته. أي اقعدوا لهم في مواضع الغرة حيث يرصدون. قال عامر بن الطفيل :

ولقد علمت وما إخالك ناسيا أن المنية للفتى بالمرصد
وقال عدي :
أعاذل إن الجاهل من لذة الفتى وإن المنايا للنفوس بمرصد
وفي هذا دليل على جواز اغتيالهم قبل الدعوة. ونصب "كل" على الظرف، وهو اختيار الزجاج، ويقال : ذهبت طريقا وذهبت كل طريق. أو بإسقاط الخافض، التقدير : في كل مرصد وعلى كل مرصد، فيجعل المرصد اسما للطريق. وخطأ أبو علي الزجاج


الصفحة التالية
Icon