أحدهما : ما رواه أبو سلمة عن ابن عباس وعائشة بأن مدة الوحي كانت عشرين سنة، وأن النبي ﷺ بعث على رأس أربعين، فأقام بمكة عشر سنين ؛ وهو قول عروة والشعبي وابن شهاب والحسن وعطاء الخراساني وسعيد بن المسيب على اختلاف عنه، وهي رواية ربيعة وأبي غالب عن أنس، وإذا ثبت هذا الحديث بطل ذلك التأويل - الثاني : أن سائر الأحاديث في الأجزاء المختلفة تبقى بغير معنى.
الثالثة :- إنما كانت الرؤيا جزءا من النبوة ؛ لأن فيها ما يعجز ويمتنع كالطيران، وقلب الأعيان، والاطلاع على شيء من علم الغيب ؛ كما قال عليه السلام :"إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصادقة في النوم..." الحديث. وعلى الجملة فإن الرؤيا الصادقة من الله، وأنها من النبوة ؛ قال ﷺ :"الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" وأن التصديق بها حق، ولها التأويل الحسن، وربما أغنى بعضها عن التأويل، وفيها من بديع الله ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه ؛ ولا خلاف في هذا بين أهل الدين والحق من أهل الرأي والأثر، ولا ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد وشرذمة من المعتزلة.
الرابعة :- إن قيل : إذا كانت الرؤيا الصادقة جزءا من النبوة فكيف يكون الكافر والكاذب والمخلط أهلا لها ؟ وقد وقعت من بعض الكفار وغيرهم ممن لا يرضى دينه منامات صحيحة صادقة ؛ كمنام رؤيا الملك الذي رأى سبع بقرات، ومنام الفتيين في السجن ؛ ورؤيا بختنصر، التي فسرها دانيال في ذهاب ملكه، ورؤيا كسرى في ظهور النبي ﷺ، ومنام عاتكة، عمة رسول الله ﷺ في أمره وهي كافرة، وقد ترجم البخاري "باب رؤيا أهل السجن" : فالجواب أن الكافر والفاجر والفاسق والكاذب وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات لا تكون من الوحي ولا من النبوة ؛ إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب يكون خبره ذلك نبوة ؛ وقد تقدم في "الأنعام" أن الكاهن وغيره قد يخبر بكلمة الحق فيصدق، لكن ذلك على الندور والقلة، فكذلك رؤيا هؤلاء ؛ قال المهلب : إنما ترجم البخاري