أبا لا يعرفون. وكان ابن مسعود يقول حين يقرأ :﴿لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ﴾. كذب النسابون. ﴿جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي بالحجج والدلالات. ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ أي جعل أولئك القوم أيدي أنفسهم في أفواههم ليعضوها غيظا مما جاء به الرسل ؛ إذ كان فيه تسفيه أحلامهم، وشتم أصنامهم ؛ قاله بن مسعود، ومثله قاله عبدالرحمن بن زيد ؛ وقرأ :﴿عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [آل عمران : ١١٩]. وقال ابن عباس : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم. وقال أبو صالح : كانوا إذا قال لهم نبيهم أنا رسول الله إليكم أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم : أن اسكت، تكذيبا له، وردا لقوله ؛ وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى. والضميران للكفار ؛ والقول الأول أصحها إسنادا ؛ قال أبو عبيد : حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله في قوله تعالى :﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ قال : عضوا عليها غيظا ؛ وقال الشاعر :

لو أن سلمى أبصرت تخددي ودقة في عظم ساقي ويدي
وبعد أهلي وجفاء عودي عضت من الوجد بأطراف اليد
وقد مضى هذا المعنى في "آل عمران" مجودا، والحمد لله. وقال مجاهد وقتادة : ردوا على الرسل قولهم وكذبوهم بأفواههم ؛ فالضمير الأول للرسل، والثاني للكفار. وقال الحسن وغيره : جعلوا أيديهم في أفواه الرسل ردا لقولهم ؛ فالضمير الأول على هذا للكفار، والثاني للرسل. وقيل معناه : أومأوا للرسل أن يسكتوا. وقال مقاتل : أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم. وقيل : رد الرسل أيدي القوم في أفواههم. وقيل : إن الأيدي هنا النعم ؛ أي ردوا نعم الرسل بأفواههم، أي بالنطق والتكذيب، ومجيء الرسل بالشرائع نعم ؛ والمعنى : كذبوا بأفواههم ما جاءت به الرسل. و"في" بمعنى الباء ؛ يقال : جلست في البيت وبالبيت ؛ وحروف الصفات يقام بعضها مقام بعض. وقال أبو عبيدة : هو ضرب مثل ؛ أي لم يؤمنوا ولم يجيبوا ؛ والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن


الصفحة التالية
Icon