﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ أي يغطون رؤوسهم بثيابهم. قال قتادة : أخفى ما يكون العبد إذا حنى ظهره، واستغشى ثوبه، وأضمر في نفسه همه.
٣ - الآية : ٦ ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾
قوله تعالى :﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ "ما" نفي و"من" زائدة و"دابة" في موضع رفع ؛ التقدير : وما دابة. ﴿إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ "على" بمعنى "من"، أي من الله رزقها ؛ يدل عليه قول، مجاهد : كل ما جاءها من رزق فمن الله. وقيل :"على الله" أي فضلا لا وجوبا. وقيل : وعدا منه حقا. وقد تقدم بيان هذا المعنى في "النساء" وأنه سبحانه لا يجب عليه شيء. "رزقها" رفع بالابتداء، وعند الكوفيين بالصفة ؛ وظاهر الآية العموم ومعناها الخصوصي ؛ لأن كثيرا من الدواب هلك قبل أن يرزق. وقيل : هي عامة في كل دابة : وكل دابة لم ترزق رزقا تعيش به فقد رزقت روحها ؛ ووجه النظم به قبل : أنه سبحانه أخبر برزق الجميع، وأنه لا يغفل عن تربيته، فكيف تخفى عليه أحوالكم يا معشر الكفار وهو يرزقكم ؟ ! والدابة كل حيوان يدب. والرزق حقيقته ما يتغذى به الحي، ويكون فيه بقاء روحه ونماء جسده. ولا يجوز أن يكون الرزق بمعنى الملك ؛ لأن البهائم ترزق وليس يصح وصفها بأنها مالكة لعلفها ؛ وهكذا الأطفال ترزق اللبن ولا يقال : إن اللبن الذي في الثدي ملك للطفل. وقال تعالى :﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾ [الذاريات : ٢٢] وليس لنا في السماء ملك ؛ ولأن الرزق لو كان ملكا لكان إذا أكل الإنسان من ملك غيره أن يكون قد أكل من رزق غيره، وذلك محال ؛ لأن العبد لا يأكل إلا رزق نفسه. وقد تقدم في "البقرة" هذا المعنى والحمد لله. وقيل لبعضهم : من أين تأكل ؟ وقال : الذي خلق الرحى يأتيها بالطحين، والذي شدق الأشداق هو خالق الأرزاق.