" صفحة رقم ٤٣ "
وإن برز علم الأقران في علم الفتاوي والأحكام والمتكلم وإن برز أهل الدنيا في صناعة الكلام وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرية أحفظ والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ والنحوي وإن كان من سيبويه واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق الا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن وهما علم المعاني وعلم البيان وتمهل في ارتيادهما آونة وتعب في التنقير عنها ازمنة وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله وحرص على استيضاح معجزة رسول الله بعد ان يكون آخذا من سائر العلوم بحظ جامعا بين أمرين تحقيق وحفظ كثير المطالعات طويل المراجعات قد رجع زمانا وردع اليه ورد ورد عليه فارسا في علم الإعراب مقدما في حملة الكتاب وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها يقظان النفس دراكا للمحة وإن لطف شأنها منتبها على الرمزة وإن خفي مكانها لا كزا جاسيا ولا غليظا جافيا متصرفا ذا دراية بأساليب النظم والنثر مرتاضا غير ريض بتلقيح بنات الفكر قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف وكيف ينظم ويرصف طالما دفع إلى مضايقه ووقع في مداحضه ومزالقه
وبقد رأيت إخواننا في الدين من أفاضل الفئة الناجية العدلية الجامعيين بين علم العربية والأصول الدينية كلما رجعوا الي في تفسير آية فأبرزت لهم بعض الحقائق من الحجب أفاضوا في الاستحسان والتعجب واستطيروا شوقا إلى منصف يضم اطرافا من ذلك حتى اجتمعوا الي مقترحين ان املى عليهم الكشف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل فاستعفيت فأبوا الا المراجعة والاستشفاع بعظماء الدين وعلماء العدل والتوحيد والذي حداني على الاستعفاء على علمي انهم طلبوا ما الإجابة اليه على واجبه لأنه الخوض فيه كفرض العين ما ارى عليه الزمان من رثاثة احواله وركاكة رجاله وتقاصر هممهم عن ادنى عدد هذا العلم فضلا ان تترقى إلى الكلام المؤسس على علمي المعاني والبيان فأمليت عليهم مسألة في الفواتح وطائفة من الكلام في حقائق سورة البقرة وكان كلاما مبسوطا كثير السؤال والجواب طويل الذيول والأذناب وإنما حاولت به التنبيه على غزارة نكت هذا العلم وان يكون لهم منارا


الصفحة التالية
Icon