" صفحة رقم ٨٠ "
العبادات واستتباعها
ومن ثم اختصر الكلام اختصارا بأن استغنى عن عد الطاعات بذكر ما هو كالعنوان لها والذي اذا وجد لم تتوقف أخواته ان تقترن به مع ما في ذلك من الإفصاح عن فضل هاتين العبادتين
واما الترك فكذلك
ألا ترى إلى قوله تعالى
) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( العنكبوت ٤٥ ويحتمل ان لا تكون بيانا للمتقين وتكون صفة برأسها دالة على فعل الطاعات ويراد بالمتقين الذين يجتنبون المعاصي
ويحتمل أن تكون مدحا للموصوفين بالتقوى وتخصيصا للإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكر إظهارا لإنافتها عن سائر ما يدخل تحت حقيقة هذا الاسم من الحسنات
والايمان إفعال من الأمن يقال امنته وآمنته غيري
ثم يقال آمنه اذا صدقه وحقيقته آمنه التكذيب والمخالفة
واما تعديته بالباء فلتضمينه معنى أقر وأعترف
واما ما حكى أبو زيد عن العرب ما آمنت ان أجد صحابة اي ما وثقت فحقيقته صرت ذا أمن به أي ذا سكون وطمأنينة وكلا الوجهين حسن في
) يؤمنون بالغيب ( أي يعترفون به أو يثقون بانه حق
ويجوز ان لا يكون
) بالغيب ( صلة للإيمان وان يكون في موضع الحال أي يؤمنون غائبين عن المؤمن به وحقيقته ملتبسين بالغيب كقوله
) الذين يخشون ربهم بالغيب ( فاطر ١٨
) ليعلم أني لم أخنه بالغيب ( يوسف ٥٢
ويعضده ما روى أن أصحاب عبد الله ذكروا أصحاب رسول الله ( ﷺ ) وإيمانهم فقال ابن مسعود ان أمر محمد كان بينا لمن رآه والذي لا اله غيره ما آمن مؤمن أفضل من ايمان بغيب ثم قرأ هذه الآية
فإن قلت فما المراد بالغيب ان جعلته صلة وان جعلته حالا قلت ان جعلته صلة كان بمعنى الغائب إما تسمية بالمصدر من قولك
غاب الشيء غيبا كما سمى الشاهد بالشهادة
قال الله تعالى
) عالم الغيب والشهادة ( الزمر ٤٦
والعرب تسمى المطمئن من الأرض غيبا وعن النضر بن شميل شربت الإبل حتى وارت غيوب كلاها
يريد بالغيب الخمصة التى تكون في موضع الكلية اذا بطنت الدابة انتفخت وإما ان يكون فيعلا فخفف كما قيل وأصله قيل والمراد به الخفي الذي لا ينفذ فيه ابتداء الا علم اللطيف الخبير وإنما نعلم منه نحن ما اعلمناه أو نصب لنا دليلا عليه ولهذا لا يجوز أن يطلق فيقال فلان يعلم الغيب وذلك نحو الصانع وصفاته والنبوات وما يتعلق بها والبعث والنشور والحساب والوعد والوعيد وغير ذلك
وإن جعلته حالا كان بمعنى الغيبة والخفاء
فإن قلت


الصفحة التالية
Icon