" صفحة رقم ٣٧١ "
اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ( جزاؤه ما دلّ عليه قوله :) لاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى ( وهذا الدال في حكم ما دلّ عليه، فوصل بشرط كما وصل الجزاء بالشرط في قولك : إن أحسنت إليّ أحسنت إليك إن أمكنني. فإن قلت : فما معنى قوله :) إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ( ؟ قلت : إذا عرف الله من الكافر الإصرار فخلاه وشأنه ولم يلجئه، سمى ذلك إغواء وإضلالاً، كما أنه إذا عرف منه أنه يتوب ويرعوي فلطف به : سمى إرشاداً وهداية. وقيل :) أَن يُغْوِيَكُمْ ( أن يهلككم من غوى الفصيل غوي، إذا بشم فهلك، ومعناه : أنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح الله ومواعظه وسائر ألطافه، كيف ينفعكم نصحي ؟ ) فَعَلَىَّ إِجْرَامِى ( وإجرامي بلفظ المصدر والجمع. كقوله : والله يعلم إسرارهم وأسرارهم. ونحو : جرم وأجرام قفل وأقفال. وينصر الجمع أن فسره الأولون بآثامي والمعنى : إن صح وثبت أني افتريته، فعلى عقوبة إجرامي أي افترائي. وكان حقي حينئذ أن تعرضوا عني وتتألبوا عليّ ) وَأَنَاْ بَرِىء ( يعني ولم يثبت ذلك وأنا بريء منه. ومعنى ) مّمَّا تُجْرَمُونَ ( من إجرامكم في إسناد الافتراء إليّ فلا وجه لإعراضكم ومعاداتكم.
) وَأُوحِىَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ (
هود :( ٣٦ ) وأوحي إلى نوح.....
) لَن يُؤْمِنَ ( إقناط من إيمانهم، وأنه كالمحال الذي لا تعلق به للتوقع ) وَأُوحِىَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ ( إلا من قد وجد منه ما كان يتوقع من إيمانه، وقد للتوقع وقد أصابت محزها ) فَلاَ تَبْتَئِسْ ( فلا تحزن حزن بائس مستكين، قال : مَا يَقْسِمُ اللَّهُ فَاقْبَلْ غَيْرَ مُبْتَئِس
مِنْهُ وَاقْعُدْ كَرِيماً نَاعِمَ الْبَالِ
والمعنى : فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك، فقد حان وقت الانتقام لك منهم ) بِأَعْيُنِنَا ( في موضع الحال، بمعنى : اصنعها محفوظاً، وحقيقته : ملتبساً بأعيننا، كأن لله معه أعينا تكلؤه أن يزيغ في صنعته عن الصواب، وأن لا يحول بينه وبين عمله أحد من أعدائه. ووحينا : وأنا نوحي إليك ونلهمك كيف تصنع. عن ابن عباس رضي الله عنه : لم يعلم كيف صنعة الفلك، فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر ) وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ( ولا تدعني في شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك ) إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ ( إنهم محكوم عليهم بالإغراق، وقد وجب ذلك وقضي به القضاء وجف القلم،