" صفحة رقم ٣٧٨ "
حبشياً وكنت قرشياً لصيقك وخصيصك. ومن لم يكن على دينك وإن كان أمس أقاربك رحماً فهو أبعد بعيد منك، وجعلت ذاته عملاً غير صالح، مبالغة في ذمّه، كقولها : فَإنَّمَا هي إقْبَالٌ وَإدْبَارُ ;
وقيل : الضمير لنداء نوح، أي : إنّ نداءك هذا عمل غير صالح وليس بذاك فإن قلت : فهلا قيل : إنه عمل فاسد ؟ قلت : لما نفاه عن أهله، نفى عنه صفتهم بكلمة النفي التي يستبقي معها لفظ المنفي، وآذن بذلك أنه إنما أنجى من أنجى من أهله لصلاحهم، لا لأنهم أهلك وأقاربك. وإنّ هذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه أبوّتك، كقوله :) كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ( وقرىء :( عمل غير صالح ) أي عمل عملا غير صالح. وقرىء :( فلا تسئلنّ ) بكسر النون بغير ياء الإضافة وبالنون الثقيلة بياء وبغير ياء، يعني فلا تلتمس مني ملتمساً أو التماساً لا تعلم أصواب هو أم غير صواب، حتى تقف على كنهه. وذكر المسألة دليل على أنّ النداء كان قبل أن يغرق حين خاف عليه. فإن قلت : لم سمي نداؤه سؤالاً ولا سؤال فيه ؟ قلت : قد تضمن دعاؤه معنى السؤال وإن لم يصرح به، لأنه إذا ذكر الموعد بنجاة أهله في وقت مشارفة ولده الغرق فقد استنجز. وجعل سؤال ما لا يعرف كنهه جهلاً وغباوة، ووعظه أن لا يعود إليه وإلى أمثاله من أفعال الجاهلين. فإن قلت : قد وعده أن ينجي أهله، وما


الصفحة التالية
Icon