" صفحة رقم ٣٨٣ "
الحق والعدل في ملكه، لا يفوته ظالم، ولا يضيع عنده معتصم به ) فَإِن تَوَلَّوْاْ ( فإن تتولوا. فإن قلت : الإبلاغ كان قبل التولي، فكيف وقع جزاء للشرط قلت : معناه فإن تتولوا لم أعاتب على تفريط في الإبلاغ، وكنتم محجوجين بأنّ ما أرسلت به إليكم قد بلغكم فأبيتم إلا تكذيب الرسالة وعداوة الرسول ) وَيَسْتَخْلِفُ ( كلام مستأنف، يريد : ويهلككم الله ويجيء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم ) وَلاَ تَضُرُّونَهُ ( بتوليكم ) شَيْئاً ( من ضرر قط، لأنه لا يجوز عليه المضارّ والمنافع، وإنما تضرون أنفسكم. وفي قراءة عبد الله ) وَيَسْتَخْلِفُ ( بالجزم وكذلك : ولا تضروه، عطفاً على محل ) فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ( والمعنى : إن تتولوا يعذرني ويستخلف قوماً غيركم ولا تضروا إلا أنفسكم ) عَلَى كُلّ شَىْء حَفِيظٌ ( أي رقيب عليه مهيمن، فما تخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مؤاخذتكم. أو من كان رقيباً على الأشياء كلها حافظاً لها وكانت مفتقرة إلى حفظه من المضارّ، لم يضر مثله مثلكم.
) وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (
هود :( ٥٨ ) ولما جاء أمرنا.....
) وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ ( قيل : كانوا أربعة آلاف. فإن قلت : ما معنى تكرير التنجية ؟ قلت : ذكر أولا أنه حين أهلك عدوهم نجاهم ثم قال :) وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ( على معنى : وكانت تلك التنجية من عذاب غليظ، وذلك أنّ الله عز وجل بعث عليهم السموم فكانت تدخل في أنوفهم وتخرج من أدبارهم فتقطعهم عضواً عضواً. وقيل : أراد بالثانية التنجية من عذاب الآخرة، ولا عذاب أغلظ منه وأشدّ. وقوله : برحمة منا، يريد : بسبب الإيمان الذي أنعمنا عليهم بالتوفيق له.
) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَأُتْبِعُواْ فِى هَاذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (
هود :( ٥٩ - ٦٠ ) وتلك عاد جحدوا.....
) وتلك عَادٌ ( إشارة إلى قبورهم وآثارهم، كأنه قال : سيحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا، ثم استأنف وصف أحوالهم فقال :) جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ ( لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله، ) لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ ( ( البقرة : ٢٨٥ ) قيل لم يرسل إليهم إلا هود وحده ) كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ( يريد رؤساءهم وكبراءهم ودعاتهم إلى تكذيب الرسل. ومعنى اتباع أمرهم : طاعتهم. ولما كانوا تابعين لهم دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين تكبهم على وجوههم في عذاب الله. و ) أَلا ( وتكرارها مع النداء على كفرهم والدعاء عليهم، تهويل لأمرهم وتفظيع له، وبعث على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم. فإن قلت :) بُعْدًا ( دعاء بالهلاك، فما معنى الدعاء به عليهم بعد هلاكهم ؟ قلت : معناه الدلالة على أنهم كانوا مستأهلين له : ألا ترى إلى قوله :


الصفحة التالية
Icon