" صفحة رقم ٤٠٤ "
الجمعة عن أيام الأسبوع بكونه مشهوداً فيه دونها، ولم يجز أن يكون مشهوداً في نفسه ؛ لأنّ سائر أيام الأسبوع مثله يشهدها كل من يشهده، وكذلك قوله :) فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ( ( البقرة : ١٨٥ ) الشهر منتصب ظرفاً لا مفعولا به، وكذلك الضمير في ) فَلْيَصُمْهُ ( والمعنى : فمن شهد منكم في الشهر فليصم فيه، يعني : فمن كان منكم مقيماً حاضراً لوطنه في شهر رمضان فليصم فيه، ولو نصبته مفعولاً فالمسافر والمقيم كلاهما يشهدان الشهر، لا يشهده المقيم، ويغيب عنه المسافر :
) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لاًّجَلٍ مَّعْدُودٍ (
هود :( ١٠٤ ) وما نؤخره إلا.....
الأجل : يطلق على مدة التأجيل كلها وعلى منتهاها، فيقولون : انتهى الأجل، وبلغ الأجل آخره، ويقولون : حل الأجل ) فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ ( ( الأعراف : ٣٤ ) يراد آخر مدة التأجيل، والعدّ إنما هو للمدّة لا لغايتها ومنتهاها، فمعنى قوله :) وَمَا نُؤَخّرُهُ إِلاَّ لاِجَلٍ مَّعْدُودٍ ( إلا لانتهاء مدة معدودة بحذف المضاف. وقرىء :( وما يؤخره ) بالياء.
) يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ (
هود :( ١٠٥ ) يوم يأت لا.....
قرىء :( يوم يأت ) بغير ياء. ونحوه قولهم : لا أدر، حكاه الخليل وسيبويه. وحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير في لغة هذيل. فإن قلت : فاعل يأتي ما هو ؟ قلت : الله عز وجل، كقوله :) هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ ( ( البقرة : ٢١٠ )، ) أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ ( ( الأنعام : ١٥٨ )، ) وَجَاء رَبُّكَ ( ( الفجر : ٢٢ ) وتعضده قراءة :( وما يؤخر ) بالياء. وقوله :) بِإِذْنِهِ ( ويجوز أن يكون الفاعل ضمير اليوم، كقوله تعالى :) أَن تَأْتِيهُمُ السَّاعَةَ ( ( يوسف : ١٠٧ ). فإن قلت : بما انتصب الظرف ؟ قلت : إمّا أن ينتصب بلا تكلم. وإما بإضمار ( اذكر ) وإمّا بالانتهاء المحذوف في قوله :) إِلاَّ لاِجَلٍ مَّعْدُودٍ ( ( هود : ١٠٤ ) أي ينتهي الأجل يوم يأتي، فإن قلت : فإذا جعلت الفاعل ضمير اليوم، فقد جعلت اليوم وقتاً لإتيان اليوم وحدّدت الشيء بنفسه قلت : المراد إتيان هوله وشدائده ) لاَ تَكَلَّمُ ( لا تتكلم، وهو نظير قوله :) لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ (. فإن قلت : كيف يوفق بين هذا وبين قوله تعالى :) يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا ( ( النحل : ١١١ ) وقوله تعالى :) هَاذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ( ( المرسلات : ٣٦ )، قلت : ذلك يوم طويل له مواقف ومواطن، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها : يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم ) فَمِنْهُمْ ( الضمير لأهل الموقف ولم يذكروا ؛ لأنّ ذلك معلوم، ولأنّ قوله :) لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ ( يدل عليه، وقد مرّ ذكر الناس في قوله :) مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ ( ( هود : ١٠٣ ) والشقى الذي وجبت له النار لإساءته، والسعيد الذي وجبت له الجنة لإحسانه.


الصفحة التالية
Icon