" صفحة رقم ٤٣٠ "
أني خفت الله. فإن قلت : كيف جاز على نبيّ الله أن يكون منه هم بالمعصية وقصدٌ إليها ؟ قلت المراد أنّ نفسه مالت إلى المخالطة ونازعت إليها عن شهوة الشباب وقرمه ميلاً يشبه الهم به والقصد إليه، وكما تقتضيه صورة تلك الحال التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم. وهو يكسر ما به ويردّه بالنظر في برهان الله المأخوذ على المكلفين من وجوب اجتناب المحارم، ولو لم يكن ذلك الميل الشديد المسمى هماً لشدّته لما كان صاحبه ممدوحاً عند الله بالامتناع ؛ لأن استعظام الصبر على الابتلاء، على حسب عظم الابتلاء وشدته. ولو كان همه كهمها عن عزيمة، لما مدحه الله بأنه من عباده المخلصين. ويجوز أن يريد بقوله :) وَهَمَّ بِهَا ( وشارف أن يهم بها، كما يقول الرجل : قتلته لو لم أخف الله، يريد مشارفة القتل ومشافهته. كأنه شرع فيه فإن قلت : قوله ) وَهَمَّ بِهَا ( داخل تحت حكم القسم في قوله :) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ( أم هو خارج منه ؟ قلت : الأمران جائزان. ومن حق القارىء إذا قدّر خروجه من حكم القسم وجعله كلاماً برأسه أن يقف على قوله :) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ( ويبتدىء قوله :) وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ ( وفيه أيضاً إشعار بالفرق بين الهمين. لم جلبت جواب لولا محذوفاً يدل عليه هم بها وهلا علته هو الجواب مقدماً فإن قلت : لأن لولا لا يتقدم عليها جوابها، من قبل أنه في حكم الشرط، وللشرط صدر الكلام وهو مع ما في حيزه من الجملتين مثل كلمة واحدة، ولا يجوز تقديم بعض الكلمة على بعض. وأما حذف بعضها إذا دلّ الدليل عليه فجائز، فإن قلت : فلم جعلت ( لولا ) متعلقة بهمّ بها وحده ولم تجعلها متعلقة بجملة قوله :) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ( لأن الهمّ لا يتعلق بالجواهر ولكن بالمعاني. فلا بدّ من تقدير المخالطة والمخالطة لا تكون إلا من اثنين معاً، فكأنه قيل : ولقد هما بالمخالطة لولا أن منع مانع أحدهما ؟ قلت : نعم ما قلت، ولكنّ الله سبحانه وتعالى قد جاء بالهمين على سبيل التفصيل حيث قال ) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ( فكان إغفاله إلغاء له، فوجب أن يكون التقدير، ولقد همت بمخالطته وهم بمخالطتها، على أنّ المراد بالمخالطتين توصلها إلى ما هو حظها من قضاء شهوتها منه، وتوصله إلى ما هو حظه من قضاء شهوته منها ) لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ ( فترك التوصل إلى حظه من الشهوة ؛ فلذلك كانت ( لولا ) حقيقة بأن تعلق بهمّ بها وحده، وقد فسرهمّ يوسف بأنه حل الهميان وجلس منها مجلس المجامع، وبأنه حل تكة سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهي مستلقية على قفاها، وفسر البرهان بأنه سمع صوتاً :