" صفحة رقم ٤٤١ "
والصغار، فالتجأ إلى ربه عند ذلك وقال : ربِّ نزولُ السجن أحبّ إلي من ركوب المعصية. فإن قلت : نزول السجن مشقة على النفس شديدة، وما دعونه إليه لذة عظيمة، فكيف كانت المشقة أحبّ إليه من اللذة ؟ قلت : كانت أحبّ إليه وآثر عنده نظراً في حسن الصبر على احتمالها لوجه الله، وفي قبح المعصية، وفي عاقبة كل واحدة منهما، لا نظراً في مشتهى النفس ومكروهها ) وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنّى كَيْدَهُنَّ ( فزع منه إلى ألطاف الله وعصمته، كعادة الأنبياء والصالحين فيما عزم عليه ووطن عليه نفسه من الصبر، لا أن يطلب منه الإجبار على التعفف والإلجاء إليه ) أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ( أمل إليهنّ. والصبوة : الميل إلى الهوى. ومنها : الصبا ؛ لأنّ النفوس تصبو إليها لطيب نسيمها وروحها وقرىء :( أصب إليهنّ ) من الصبابة ) مِنَ الْجَاهِلِينَ ( من الذين لا يعملون بما يعلمون. لأنّ من لا جدوى لعلمه فهو ومن لا يعلم سواء. أو من السفهاء، لأنّ الحكيم لا يفعل القبيح. وإنما ذكر الاستجابة ولم يتقدّم الدعاء، لأنّ قوله ) وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنّى ( فيه معنى طلب الصرف والدعاء باللطف ) السَّمِيعُ ( لدعوات الملتجئين إليه ) الْعَلِيمُ ( بأحوالهم وما يصلحهم.
) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (
يوسف :( ٣٥ ) ثم بدا لهم.....
) بَدَا لَهُمْ ( فاعله مضمر، لدلالة ما يفسره عليه وهو : ليسجننه، والمعنى : بدالهم بداء، أي : ظهر لهم رأي ليسجننه، والضمير في ) لَهُمْ ( للعزيز وأهله ) مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ ( وهي الشواهد على براءته، وما كان ذلك إلا باستنزال المرأة لزوجها، وفتلها منه في الذروة والغارب وكان مطواعة لها وجميلاً ذلولا زمامه في يدها، حتى أنساه ذلك ما عاين من الآيات وعمل برأيها في سجنه وإلحاق الصغار به كما أوعدته به، وذلك لما أيست من طاعته لها، أو لطمعها في أن يذلله السجن ويسخره لها. وفي قراءة الحسن :( لتسجننه ) بالتاء على الخطاب : خاطب به بعضهم العزيز ومن يليه، أو العزيز وحده على وجه التعظيم ) حَتَّى حِينٍ ( إلى زمان، كأنها اقترحت أن يسجن زماناً حتى تبصر ما يكون منه. وفي قراءة ابن مسعود ( عتى حين ) وهي لغة هذيل، وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقرأ :( عتى حين ) فقال : من أقرأك ؟ قال : ابن مسعود فكتب إليه : إن الله أنزل هذا القرآن فجعله عربياً وأنزله بلغة قريش، فأقرىء الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل، والسلام.
) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (
يوسف :( ٣٦ ) ودخل معه السجن.....
) مَّعَ ( يدل على معنى الصحبة واستحداثها، تقول : خرجت مع الأمير، تريد مصاحباً