" صفحة رقم ٥١٧ "
من الجنّ والإنس فيقول ذلك ) إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقّ ( وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفى لكم بما وعدكم ) وَوَعَدتُّكُمْ ( خلاف ذلك ) فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ ( من تسلط وقهر فأقسركم على الكفر والمعاصي وألجئكم إليها ) إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ ( إلا دعائي إياكم إلى الضلالة بوسوستي وتزييني، وليس الدعاء من جنس السلطان، ولكنه كقولك : ما تحيتهم إلا الضرب. ) فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ ( حيث اغتررتم بي وأطعتموني إذ دعوتكم، ولم تطيعوا ربكم إذ دعاكم، وهذا دليل على أنّ الإنسان هو الذي يختار الشقاوة أو السعادة ويحصلها لنفسه، وليس من الله إلا التمكين، ولا من الشيطان إلا التزيين. ولو كان الأمر كما تزعم المجبرة لقال : فلا تلوموني ولا أنفسكم، فإنّ الله قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه. فإن قلت : قول الشيطان باطل لا يصح التعلق به ؟ قلت : لو كان هذا القول منه باطلاً لبين الله بطلانه وأظهر إنكاره، على أنه لا طائل له في النطق بالباطل في ذلك المقام : ألا ترى إلى قوله :) إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ( كيف أتى فيه بالحق والصدق، وفي قوله :) وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ ( وهو مثل قول الله تعالى :) إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ( ( الحجر : ٤٢ )، ) مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ ( لا ينجي بعضنا بعضاً من عذاب الله ولا يغيثه. والإصراخ : الإغاثة. وقرىء :( بمصرخي ) بكسر الياء وهي ضعيفة، واستشهدوا لها ببيت مجهول : قَالَ لَهَا هَلْ لَكِ يَاتَا في
قَالَتْ لَهُ مَا أنْتَ بِالمَرْضِي
وكأنه قدّر ياء الإضافة ساكنة وقبلها ياء ساكنة، فحرّكها بالكسر لما عليه أصل التقاء الساكنين، ولكنه غير صحيح، لأنَّ ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة، حيث قبلها ألف في نحو عصاي، فما بالها وقبلها ياء ؟ فإن قلت : جرت الياء الأولى مجرى الحرف الصحيح لأجل الإدغام، فكأنها ياء وقعت ساكنة بعد حرف صحيح ساكن، فحرّكت بالكسر على الأصل. قلت : هذا قياس حسن، ولكن الاستعمال المستفيض الذي هو بمنزلة الخبر المتواتر تتضاءل إليه القياسات. ( ما ) في ) بِمَا ( مصدرية، و ) أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ ( متعلقة بأشركتموني، يعني : كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم، أي في الدنيا،