" صفحة رقم ٥٧٥ "
فرث ودم ) سَآئِغًا ( سهل المرور في الحلق ويقال : لم يغص أحد باللبن قط. وقرىء :( سيغاً )، بالتشديد. و ( سيغاً )، بالتخفيف. كهين ولين. فإن قلت : أي فرق بين ( من ) الأولى والثانية ؟ قلت : الأولى للتبعيض ؛ لأن اللبن بعض ما في يطونها، كقولك : أخذت من مال زيد ثوباً. والثانية : لابتداء الغاية ؛ لأنّ بين الفرث والدم مكان الإسقاء الذي منه يبتدأ، فهو صلة لنسقيكم، كقولك : سقيته من الحوض، ويجوز أن يكون حالا من قوله ) لَّبَنًا ( مقدماً عليه، فيتعلق بمحذوف، أي : كائناً من بين فرث ودم. ألا ترى أنه لو تأخر فقيل : لبناً من بين فرث ودم كان صفة له، وإنما قدم لأنه موضع العبرة، فهو قمن بالتقديم. وقد احتج بعض من يرى أن المني طاهر على من جعله نجساً، لجريه في مسلك البول بهذه الآية، وأنه ليس بمستنكر أن يسلك مسلك البول وهو طاهر، كما خرج اللبن من بين فرث ودم طاهراً.
) وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالاٌّ عْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِى ذالِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (
النحل :( ٦٧ ) ومن ثمرات النخيل.....
فإن قلت : بم تعلق قوله ) وَمِن ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالاْعْنَابِ ( ؟ قلت : بمحذوف تقديره : ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب، أي : من عصيرها وحذف لدلالة نسقيكم قبله عليه، وقوله :) تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا ( بيان وكشف عن كنه الإسقاء. أو يتعلق بتتخذون، ومنه من تكرير الظرف للتوكيد، كقولك : زيد في الدار فيها، ويجوز أن يكون ) تَتَّخِذُونَ ( صفة موصوف محذوف، كقوله : جادت بِكَفّى كَانَ مِنْ أَرْمَى الْبَشَرْ
تقديره : ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً ؛ لأنهم يأكلون بعضها ويتخذون من بعضها السكر. فإن قلت : فالإم يرجع الضمير في منه إذا جعلته ظرفاً مكرّراً ؟ قلت : إلى المضاف المحذوف الذي هو العصير كما رجع في قوله تعالى ) أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ( ( الأعراف : ٤ ) إلى الأهل المحذوف، والسكر : الخمر، سميت بالمصدر من سكر سكراً وسكراً. نحو رشد رشداً ورشداً. قال :
وَجَاؤُنَا بهِمْ سَكَرٌ عَلَيْنَا فَأَجْلَى اليَوْمُ والسَّكْرَانُ صَاحِى
وفيه وجهان : أحدهما أن تكون منسوخة. وممن قال بنسخها : الشعبي والنخعي.