" صفحة رقم ٥٧٩ "
وإخوانكم فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم، حتى تتساووا في الملبس والمطعم، كما يحكي عن أبي ذرّ أنه سمع النبي ( ﷺ ) يقول :
( ٥٨٩ ) ( إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تطعمون ) فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت ) أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ( فجعل ذلك من جملة جحود النعمة. وقيل : هو مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء، فقال لهم : أنتم لا تسوّون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم، ولا تجعلونهم فيه شركاء، ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء. وقيل المعنى أنّ الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعاً، فهم في رزقي سواء، فلا تحسبن الموالي أنهم يردون على مماليكهم من عندهم شيئاً من الرزق. فإنما ذلك رزقي أجريه إليهم على أيديهم. وقرىء :( يجحدون )، بالتاء والياء.
) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (
النحل :( ٧٢ ) والله جعل لكم.....
) مّنْ أَنفُسِكُمْ ( من جنسكم. وقيل : هو خلق حواء من ضلع آدم. والحفدة : جمع حافد، وهو الذي يحفد، أي يسرع في الطاعة والخدمة. ومنه قول القانت. وإليك نسعى ونحفد وقال : حَفَدَ الْوَلاَئِدَ بَيْنَهُنَّ وَأُسْلِمَت
بِأَكُفِّهِنَّ أزِمَّةَ الأَجْمَالِ
واختلف فيهم فقيل : هم الأختان على البنات وقيل : أولاد الأولاد، وقيل : أولاد المرأة من الزوج الأوّل، وقيل : المعنى وجعل لكم حفدة، أي خدما يحفدون في مصالحكم ويعينونكم ويجوز أن يراد بالحفدة : البنون أنفسهم ؛ كقوله :) سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ( ( النحل : ٦٧ ) كأنه قيل : وجعل لكم منهنّ أولاداً هم بنون وهم حافدون، أي جامعون بين الأمرين ) مّنَ الطَّيّبَاتِ ( يريد بعضها ؛ لأنّ كل الطيبات في الجنة، وما طيبات الدنيا إلا أنموذج منها ) أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ ( وهو ما يعتقدون من منفعة الأصنام وبركتها وشفاعتها. وما هو إلا وهم باطل لم يتوصلوا إليه بدليل ولا أمارة، فليس لهم إيمان إلا به، كأنه شيء معلوم مستيقن. ونعمة الله المشاهدة المعاينة التي لا شبهة فيها لذي عقل وتمييز :