" صفحة رقم ٥٩٥ "
الإيمان بلحمه ودمه ) فأتى عمار رسول الله ( ﷺ ) وهو يبكي، فجعل النبي ( ﷺ ) يمسح عينيه وقال :( مالكا إن عادوا لك فعد لهم بما قلت ) ومنهم جبر مولى الحضرمي. أكرهه سيده فكفر ثم أسلم مولاه وأسلم، وحسن إسلامهما، وهاجرا فإن قلت : أي الأمرين أفضل، أفعل عمار أم فعل أبويه ؟ قلت : بل فعل أبويه ؛ لأنّ في ترك التقية والصبر على القتل إعزازاً للإسلام. وقد روي :
( ٥٩٦ ) أنّ مسيلمة أخذ رجلين فقال لأحدهما : ما تقول في محمد ؟ قال : رسول الله. قال : فما تقول فيّ ؟ قال أنت أيضاً، فخلاه. وقال للآخر : ما تقول في محمد ؟ قال : رسول الله. قال : فما تقول فيّ ؟ قال أنا أصمّ. فأعاد عليه ثلاثاً، فأعاد جوابه، فقتله، فبلغ ذلك رسول الله ( ﷺ ) فقال :( أما الأوّل فقد أخذ برخصة الله. وأمّا الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له ) ) ذالِكَ ( إشارة إلى الوعيد، وأنّ الغضب والعذاب يلحقانهم بسبب استحبابهم الدنيا على الآخرة، واستحقاقهم خذلان الله بكفرهم ) وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ( الكاملون في الغفلة الذين لا أحد أغفل منهم ؛ لأنّ الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها.
) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (
النحل :( ١١٠ ) ثم إن ربك.....
) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ ( دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك، وهم عمار وأصحابه. ومعنى : إنّ ربك لهم، أنه لهم لا عليهم، بمعنى أنه وليهم وناصرهم لا عدوّهم وخاذلهم، كما يكون الملك للرجل لا عليه، فيكون محمياً منفوعاً غير مضرور ) مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ( بالعذاب والإكراه على الكفر. وقرىء :( فتنوا ) على البناء للفاعل، أي : بعد ما عذبوا المؤمنين كالحضرمي وأشباهه ) مِن بَعْدِهَا ( من بعد هذه الأفعال وهي الهجرة والجهاد والصبر ) يَوْمَ تَأْتِى ( منصوب برحيم. أو بإضمار اذكر. فإن قلت : ما معنى النفس المضافة إلى النفس ؟ قلت : يقال لعين الشيء وذاته نفسه، وفي نقيضه غيره، والنفس الجملة كما هي، فالنفس الأولى هي الجملة، والثانية عينها وذاتها، فكأنه قيل : يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره، كل يقول : نفسي نفسي. ومعنى المجادلة عنها : الاعتذار عنها كقوله :) هَؤُلاء أَضَلُّونَا ( ( الأعراف : ٣٨ )، ) مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ( ( الأنعام : ٢٣ )


الصفحة التالية
Icon