" صفحة رقم ٦١١ "
أي : كل نفس حاملة وزراً، فإنما تحمل وزرها لا وزر نفس أخرى ) وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ ( وما صحّ منا صحة تدعو إليها الحكمة أن نعذب قوماً إلا بعد أن ) نَبْعَثَ ( إليهم ) رَسُولاً ( فتلزمهم الحجة. فإن قلت : الحجة لازمة لهم قبل بعثة الرسل، لأنّ معهم أدلة العقل التي بها يعرف الله، وقد أغفلوا النظر وهم متمكنون منه، واستيجابهم العذاب لإغفالهم النظر فيما معهم، وكفرهم لذلك، لا لإغفال الشرائع التي لا سبيل إليها إلا بالتوقيف، والعمل بها لا يصح إلا بعد الإيمان. قلت : بعثة الرسل من جملة التنبيه على النظر والإيقاظ من رقدة الغفلة، لئلا يقولوا : كنا غافلين فلو لا بعث إلينا رسولاً ينبهنا على النظر في أدلة العقل.
) وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (
الإسراء :( ١٦ ) وإذا أردنا أن.....
) وَإِذَا أَرَدْنَا ( وإذا دنا وقت إهلاك قوم ولم يبق من زمان إمهالهم إلا قليل، أمرناهم ) فَفَسَقُواْ ( أي أمرناهم بالفسق ففعلوا، والأمر مجاز : لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم : افسقوا، وهذا لا يكون فبقي أن يكون مجازاً، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صباً، فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات، فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة فيه، وإنما خولهم إياها ليشكروا ويعملوا فيها الخير ويتمكنوا من الإحسان والبرّ، كما خلقهم أصحاء أقوياء، وأقدرهم على الخير والشرّ، وطلب منهم إيثار الطاعة على المعصية فآثروا الفسوق، فلما فسقوا حق عليهم القول وهو كلمة العذاب فدمّرهم. فإن قلت : هلا زعمت أن معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا ؟ قلت : لأن حذف ما لا دليل عليه غير


الصفحة التالية
Icon