" صفحة رقم ٦٢٥ "
الزنا سيئة، كما تقول : السرقة سيئة، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث. فإن قلت : فما ذكر من الخصال بعضها سيء وبعضها حسن، ولذلك قرأ من قرأ ( سيئه ) بالإضافة، فما وجه من قرأ سيئة ؟ قلت : كل ذلك إحاطة بما نهى عنه خاصة لا بجميع الخصال المعدودة.
) ذَالِكَ مِمَّآ أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَاهًا ءَاخَرَ فَتُلْقَى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا (
الإسراء :( ٣٩ ) ذلك مما أوحى.....
) ذَالِكَ ( إشارة إلى ما تقدم من قوله ) لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَاهًا ءاخَرَ ( ( الإسراء : ٢٢ ) إلى هذه الغاية. وسماه حكمة لأنه كلام محكم لا مدخل فيه للفساد بوجه. وعن ابن عباس : هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى، أوّلها ؛ لا تجعل مع الله إلها آخر، قال الله تعالى ) وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الاْلْوَاحِ مِن كُلّ شَىْء مَّوْعِظَةً ( ( الأعراف : ١٤٥ ) وهي عشر آيات في التوراة، ولقد جعل الله فاتحتها وخاتمتها النهي عن الشرك ؛ لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها، ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه وإن بذ فيها الحكماء. وحك بيافوخه السماء، وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم، وهم عن دين الله أضل من النعم.
) أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا (
الإسراء :( ٤٠ ) أفأصفاكم ربكم بالبنين.....
) أَفَأَصْفَاكُمْ ( خطاب للذين قالوا ) الْمَلَائِكَةَ بَنَاتٍ اللَّهِ ( والهمزة للإنكار. يعني : أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون، لم يجعل فيهم نصيباً لنفسه. واتخذ أدونهم وهي البنات وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم، فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب، ويكون أردؤها وأدونها للسادات ) إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا ( بإضافتكم إليه الأولاد وهي خاصة بالأجسام، ثم بأنكم تفضلون عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون، ثم بأن تجعلوا الملائكة وهم أعلى خلق الله وأشرفهم أدون خلق الله وهم الإناث.
) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَاذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (
الإسراء :( ٤١ ) ولقد صرفنا في.....
) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَاذَا الْقُرْءانِ ( يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى الله البنات ؛ لأنه مما صرفه وكرّر ذكره، والمعنى : ولقد صرفنا القول في هذا المعنى. أو أوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير. ويجوز أن يشير بهذا القرآن إلى التنزيل ويريد. ولقد صرفناه. يعني ( هذا المعنى في مواضع من التنزيل، فترك الضمير لأنه معلوم. وقرىء :( صرفنا ) بالتخفيف وكذلك ) لّيَذْكُرُواْ ( قرىء ( مشدّداً ومخففاً )، أي : كررناه ليتعظوا ويعتبروا ويطمئنوا إلى ما يحتج به عليهم ) فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا ( عن الحق وقلة طمأنينة إليه. وعن


الصفحة التالية
Icon