" صفحة رقم ١٢٥ "
المثل، أي : يثبت إتيانه في الأعين ويتمكن فيها ثبات الراكب على المركوب وتمكنه منه ) لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ( عليه بما سمع منه. وبما فعله أو يحضرون عقوبتنا له. روي أنّ الخبر بلغ نمروذ وأشراف قومه، فأمروا بإحضاره.
) قَالُواْ ءَأَنْتَ فَعَلْتَ هَاذَا بِأالِهَتِنَا ياإِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَاذَا فَاسْألُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ (
الأنبياء :( ٦٢ ) قالوا أأنت فعلت.....
هذا من معاريض الكلام ولطائف هذا النوع لا يتغلغل فيها إلا أذهان الراضة من علماء المعاني. والقول فيه أنّ قصد إبراهيم صلوات الله عليه لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم، وإنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضي يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم، وهذا كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتاباً بخط رشيق وأنت شهير بحسن الخط : أأنت كتبت هذا وصاحبك أمّيّ لا يحسن الخطّ ولا يقدر إلا على خرمشة فاسدة، فقلت له : بل كتبته أنت، كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به، لا نفيه عنك وإثباته للأمّيّ أو المخرمش، لأنّ إثباته والأمر دائر بينكما للعاجز منكما استهزاء به وإثبات للقادر، ولقائل أن يقول : غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة مرتبة، وكان غيظ كبيرها أكبر وأشدّ لم رأى من زيادة تعظيمهم له. فأسند الفعل إليه لأنه هو الذي تسبب لاستهانته بها وحطمه لها، والفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه. ويجوز أن يكون حكاية لما يقول إلى تجويزه مذهبهم، كأنه قال لهم : ما تنكرون أن يفعله كبيرهم. فإنّ من حق من يعبد ويدعى إلاها أن يقدر على هذا وأشدّ منه. ويحكى أنه قال : فعله كبيرهم هذا غضب أن تعبد معه هذه الصغار وهو أكبر منها. وقرأ محمد بن السُّمَيْقَع ( فعله كبيرهم )، يعني : فلعله، أي فلعلّ الفاعل كبيرهم.
) فَرَجَعُواْ إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُواْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (
الأنبياء :( ٦٤ ) فرجعوا إلى أنفسهم.....
فلما ألقمهم الحجر وأخذ بمخانقهم، رجعوا إلى أنفسهم فقالوا : أنتم الظالمون على الحقيقة، لا من ظلمتموه حين قلتم : من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين.
) ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَاؤُلاءِ يَنطِقُونَ (
الأنبياء :( ٦٥ ) ثم نكسوا على.....
نكسته : قلبته فجعلت أسفله أعلاه، وانتكس : انقلب، أي : استقاموا حين رجعوا