" صفحة رقم ١٤٨ "
التسليم لقضاء الله والخروج إلى ما يسخط الله : جامع على نفسه محنتين، إحداهما : ذهاب ما أصيب به. والثانية : ذهاب ثواب الصابرين، فهو خسران الدارين. وقرىء ( خاسر الدنيا والآخرة ) بالنصب والرفع، فالنصب على الحال، والرفع على الفاعلية. ووضع الظاهر موضع الضمير، وهو وجه حسن. أو على أنه خبر مبتدأ محذوف استعير ) الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ( من ضلال من أبعد في التيه ضالاً، فطالت وبعدت مسافة ضلالته. فإن قلت : الضرر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين، وهذا تناقض قلت : إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم، وذلك أن الله تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جماداً لا يملك ضراً ولا نفعاً، وهو يعتقد فيه بجهله وضلاله أنه يستنفع به حين يستشفع به، ثم قال : يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ، حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها، ولا يرى أثر الشفاعة التي ادعاها لها ) لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ( أو كرّر يدعو، كأنه قال : يدعو يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه، ثم قال : لمن ضره بكونه معبوداً أقرب من نفعه بكونه شفيعاً لبئس المولى. وفي حرف عبد الله ( من ضره ) بغير لام. المولى : الناصر. والعشير : الصاحب، كقوله :) فَبِئْسَ الْقَرِينُ ( ( الزخرف : ٣٨ ).
) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاٌّ نْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاٌّ خِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (
الحج :( ١٤ ) إن الله يدخل.....
هذا كلام قد دخله اختصار. والمعنى إن الله ناصر رسوله في الدنيا والأخرة ؛ فمن كان يظنّ من حاسديه وأعاديه أن الله يفعل خلاف ذلك ويطمع فيه، ويغيظه أنه يظفر بمطلوبه، فليستقص وسعه وليستفرغ مجهوده في إزالة ما يغيظه، بأن يفعل ما يفعل من بلغ منه الغيط كل مبلغ حتى مدّ حبلاً إلى سماء بيته فاختنق، فلينظر وليصوّر في نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه ؟ وسمي الاختناق قطعاً ؛ لأنّ المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه. ومنه قيل للبهر : القطع وسمي فعله كيداً لأنه وضعه موضع الكيد، حيث لم يقدر على غيره. أو على سبيل الاستهزاء ؛ لأنه لم يكد به محسوده إنما كاد به نفسه. والمراد : ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظه. وقيل : فليمدد بحبل إلى السماء المظلة، وليصعد عليه فليقطع الوحي أو ينزل عليه. وقيل : كان قوم من


الصفحة التالية
Icon