" صفحة رقم ١٦٢ "
دفع الله بعض الناس ببعض : إظهاره وتسليطه المسلمين منهم على الكافرين بالمجاهدة، ولولا ذلك لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم، وعلى متعبداتهم فهدموها، ولم يتركوا للنصارى بيعاً، ولا لرهبانهم صوامع، ولا لليهود صلوات، ولا للمسلمين مساجد. أو لغلب المشركون من أمّة محمد ( ﷺ ) على المسلمين وعلى أهل الكتاب الذين في ذمتهم وهدموا متعبدات الفريقين. وقرىء :( دفاع ) ولهدمت : بالتخفيف. وسميت الكنيسة ( صلاة ) لأنه يصلى فيها. وقيل : هي كلمة معرّبة، أصلها بالعبرانية : صلوثا ) مَن يَنصُرُهُ ( أي ينصر دينه وأولياءه : هو إخبار من الله عزّ وجلّ بظهر الغيب عما ستكون عليه سيرة المهاجرين رضي الله عنهم إن مكنهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا، وكيف يقومون بأمر الدين. وعن عثمان رضي الله عنه : هذا والله ثناء قبل بلاء. يريد : أنّ الله قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا. وقالوا : فيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين ؛ لأنّ الله لم يعط التمكين ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة غيرهم من المهاجرين، لاحظ في ذلك للأنصار والطلقاء. وعن الحسن : هم أمة محمد ( ﷺ ). وقيل :) الَّذِينَ ( منصوب بدل من قوله من ينصره. والظاهر أنه مجرور، تابع للذين أخرجوا ) وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الاْمُورِ ( أي مرجعها إلى حكمه وتقديره. وفيه تأكيد لما وعده من إظهار أوليائه وإعلاء كلمتهم.
) وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (
الحج :( ٤٢ ) وإن يكذبوك فقد.....
يقول لرسوله ( ﷺ ) تسلية له : لست بأوحدي في التكذيب، فقد كذب الرسل قبلك أقوامهم، وكفاك بهم أسوة. فإن قلت : لم قيل :) وَكُذّبَ مُوسَى ( ولم يقل : قوم موسى ؟ قلت : لأنّ موسى ما كذبه قومه بنو إسرائيل، وإنما كذبه غير قومه وهم القبط. وفيه شيء آخر، كأنه قيل بعد ما ذكر تكذيب كل قوم رسولهم : وكُذِّبَ موسى أيضاً مع وضوح آياته وعظم معجزاته، فما ظنك بغيره.


الصفحة التالية
Icon