" صفحة رقم ٢١٧ "
أي فرق بين معنى الجملة الأولى ومعنى الثانية ؟ قلت : معنى الأولى صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف ولكن في الفواجر. ومعنى الثانية : صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفاء ولكن للزناة، وهما معنيان مختلفان. فإن قلت : كيف قدمت الزانية على الزاني أولاً، ثم قدم عليها ثانياً ؟ قلت : سيقت تلك الآية لعقوبتهما على ما جنيا، والمرأة هي المادة التي منها نشأت الجناية ؛ لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له ولم تمكنه لم يطمع ولم يتمكن. فلما كانت أصلاً وأولاً في ذلك بديء بذكرها. وأمّا الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه، لأنه هو الراغب والخاطب، ومنه يبدأ الطلب. وعن عمرو بن عبيد رضي الله عنه : لا ينكح، بالجزم على النهي. والمرفوع فيه أيضاً معنى النهي، ولكن أبلغ وآكد، كما أن ( رحمك الله ) و ( يرحمك ) أبلغ من ( ليرحمك ) ويجوز أن يكون خبراً محضاً على معنى : أن عادتهم جارية على ذلك، وعلى المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصوّن عنها. وقرىء :( وحَرم ) بفتح الحاء.
) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذالِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (
النور :( ٤ ) والذين يرمون المحصنات.....
القذف يكون بالزنى وبغيره، والذي دلّ على أن المراد قذفهنّ بالزنى شيئان، أحدهما : ذكر المحصنات عقيب الزواني. والثاني : اشتراط أربعة شهداء ؛ لأنّ القذف بغير الزنى يكفي فيه شاهدان، والقذف بالزنى أن يقول الحرّ العاقل البالغ لمحصنة : يا زانية، أو لمحصن : يا زاني، يا ابن الزاني، يا ابن الزانية، يا ولد الزنا، لست لأبيك، لست لرشدة. والقذف بغير الزنا أن يقول : يا آكل الربا، يا شارب الخمر، يا يهودي، يا مجوسي، يا فاسق، يا خبيث، يا ماص بظر أمّه. فعليه التعزير، ولا يبلغ به أدنى حدّ العبيد وهو أربعون، بل ينقص منه. وقال أبو يوسف : يجوز أن يبلغ به تسعة وسبعون. وقال : للإمام أن يعزر إلى المائة. وشروط إحصان القذف خمسة : الحرية، والبلوغ، والعقل، والإسلام، والعفة. وقرىء :( بأربعة شهداء ) بالتنوين. شهداء صفة. فإن قلت : كيف تشهدون مجتمعين أو متفرّقين ؟ قلت : الواجب عند أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم أن يحضروا في مجلس واحد، وإن جاءوا متفرقين كانوا قذفة. وعند الشافعي رضي الله عنه : يجوز أن يحضروا متفرقين. فإن قلت : هل يجوز أن يكون زوج المقذوفة واحداً منهم ؟ قلت : يجوز عند أبي حنيفة خلافاً للشافعي. فإن قلت : كيف يجلد القاذف ؟ قلت : كما جلد الزاني، إلاّ أنه لا ينزع عنه من ثيابه إلاّ ما ينزع عن المرأة من الحشو والفرو. والقاذفة أيضاً كالزانية، وأشدّ الضرب ضرب التعزير، ثم ضرب الزنا، ثم


الصفحة التالية
Icon