" صفحة رقم ٢٣٣ "
تسبق عينه إلى ما لا يحل النظر إليه فقط، وإنما شرع لئلا يوقف على الأحوال التي يطويها الناس في العادة عن غيرهم ويتحفظون من اطلاع أحد عليها، ولأنّه تصرف في ملك غيرك فلا بدّ من أن يكون برضاه، وإلاّ أشبه الغصب والتغلب ) فَارْجِعُواْ ( أي لا تلحوا في إطلاق الإذن، ولا تلجوا في تسهيل الحجاب، ولا تقفوا على الأبواب منتظرين ؛ لأن هذا مما يجلب الكراهة ويقدح في قلوب الناس خصوصاً إذا كانوا ذوي مروأة ومرتاضين بالآداب الحسنة وإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها : من قرع الباب بعنف، والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك مما يدخل في عادات من لم يتهذّب من أكثر الناس، وعن أبي عبيد : ما قرعت باباً على عالم قط. وكفى بقصة بني أسد زاجرة وما نزل فيها من قوله :) إَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ( ( الحجرات : ٤ ). فإن قلت : هل يصحّ أن يكون المعنى : وإن لم يؤذن لكم وأمرتم بالرجوع فامتثلوا، ولا تدخلوا مع كراهتهم ؟ قلت : بعد أن جزم النهي عن الدخول مع فقد الإذن وحده من أهل الدار حاضرين وغائبين، لم تبق شبهة في كونه منهياً عنه مع انضمام الأمر بالرجوع إلى فقد الإذن، فإن قلت : فإذا عرض أمر في دار : من حريق، أو هجوم سارق، أو ظهور منكر يجب إنكاره ؟ قلت : ذلك مستثنى بالدليل، أي : الرجوع أطيب لكم وأطهر، لما فيه من سلامة الصدور والبعد من الريبة، أو أنفع وأنمى خيراً. ثم أوعد المخاطبين بذلك بأنه عالم بما يأتون وما يذرون مما خوطبوا به فموف جزاءه عليه.
) لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (
النور :( ٢٩ ) ليس عليكم جناح.....
استثنى من البيوت التي يجب الاستئذان على داخلها : ما ليس بمسكون منها، وذلك نحو الفنادق وهي الخانات والربط وحوانيت البياعين. والمتاع : المنفعة، كالاستكنان من الحرّ والبرد، وإيواء الرحال والسلع والشراء والبيع. ويروى :
( ٧٤٦ ) أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال : يا رسول الله، إنّ الله تعالى قد أنزل عليك آية في الاستئذان، وإنا نختلف في تجاراتنا فننزل هذه الخانات أفلا ندخلها إلاّ بإذن ؟ فنزلت، وقيل : الخربات يتبرز فيها. والمتاع : التبرز ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (