" صفحة رقم ٢٧٨ "
بالكبير، فبالغ في إفراطه يعني أنهم لم يخسروا على هذا القول العظيم، إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتوّ، واللام جواب قسم محذوف. وهذه الجملة في حسن استئنافها غاية. وفي أسلوبها قول القائل : وَجَارَةُ جَسَّاسٍ أَبَأَنَا بِنَابِهَا
كُلَيْباً غَلَتْ نَابٌ كُلَيْبٌ بَوَاؤُهَا
وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ التعجب. ألا ترى أن المعنى : ما أشدّ استكبارهم، وما أكبر عتوّهم، وما أغلى ناباً بواؤها كليب.
) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً (
الفرقان :( ٢٢ ) يوم يرون الملائكة.....
) يَوْمَ يَرَوْنَ ( منصوب بأحد شيئين : إما بما دلّ عليه ) لاَ بُشْرَى ( أي : يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى أو يعدمونها. ويومئذ للتكرير وإما بإضمار ( اذكر ) أي : اذكر يوم يرون الملائكة ثم قال :) لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لّلْمُجْرِمِينَ (. وقوله :) حِجْراً مَّحْجُوراً ( ذكره سيبويه في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو : معاذ الله، وقعدك الله، وعمرك الله. وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدوّ موتور أو هجوم نازلة، أو نحو ذلك. يضعونها موضع الاستعاذة. قال سيبويه : ويقول الرجل للرجل : أتفعل كذا وكذا، فيقول : حجراً، وهي من حجره إذا منعه ؛ لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه فلا يلحقه فكان المعنى : أسأل الله أن يمنع ذلك منعاً ويحجره حجراً. ومجيئه على فعل أو فعل في قراءة الحسن، تصرف فيه لاختصاصه بموضع واحد، كما كان قعدك وعمرك كذلك، وأنشدت لبعض الرّجاز : قٍ الَتْ وَفِيهَا حَيْدَةٌ وَذُعْر
عُوذٌ بِرَبِّي مِنْكُمُ وَحِجْرُ
فإن قلت : فإذا قد ثبت أنه من باب المصادر، فما معنى وصفه بمحجور ؟ قلت : جاءت هذه الصفة لتأكيد معنى الحجر، كما قالوا. ذيل ذائل، والذيل : الهوان. وموت مائت. والمعنى في الآية : أنهم يطلبون نزول الملائكة ويقترحونه، وهم إذا رأوهم عند