" صفحة رقم ٢٨٧ "
للوعيد أن يلحقهم فلا يغرّنهم التأخير. وقوله :) مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً ( كالجواب عن قولهم ) إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا ( لأنه نسبة لرسول الله إلى الضلال من حيث لا يضلّ غيره إلاّ من هو ضال في نفسه. ويروي أنه من قول جهل لعنه الله.
) أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَاهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (
الفرقان :( ٤٣ ) أرأيت من اتخذ.....
من كان في طاعة الهوى في دينه يتبعه في كل ما يأتي ويذر لا يتبصر دليلاً ولا يصغي إلى برهان. فهو عابد هواه وجاعله آلهة، فيقول لرسوله هذا الذي لا يرى معبوداً إلاّ هواه كيف تستطيع أن تدعوه إلى الهدى أفتتوكل عليه وتجبره على الإسلام وتقول لا بدّ أن تسلم شئت أو أبيت ولا إكراه في الدين ؟ وهذا كقوله :) وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ( ( ق : ٤٥ )، ) لَّسْتَ عَلَيْهِم ( ( الغاشية : ٢٢ ) ويروى أنّ الرجل منهم كن يعبد الحجر، فإذا رأى أحسن منه رمى به وأخذ آخر. ومنهم الحرث بن قيس السهمي.
) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالاٌّ نْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (
الفرقان :( ٤٤ ) أم تحسب أن.....
أم هذه منقطعة، معناه : بل أتحسب كأن هذه المذمة أشدّ من التي تقدّمتها حتى حقت بالإضراب عنها إليها وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول، لأنهم لا يلقون إلى استماع الحق أذناً ولا إلى تدبره عقلاً، ومشبهين بالأنعام التي هي مثل في الغفلة والضلال، ثم أرجح ضلالة منها. فإن قلت : لم أخر هواه والأصل قولك : اتخذ الهوى إلاهاً ؟ قلت : ما هو إلاّ تقديم المفعول الثاني على الأوّل للعناية، كما تقول : علمت منطلقاً زيداً ؛ لفضل عنايتك بالمنطلق. فإن قلت : ما معنى ذكر الأكثر ؟ قلت : كان فيهم من لم يصدّه عن الإسلام إلاّ داء واحد : وهو حب الرياسة، وكفى به داء عضالاً. فإن قلت : كيف جُعلوا أضلّ من الإنعام ؟ قلت : لأن الأنعام تنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها، وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرّها ( وتهتدي لمراعيها ومشاربها ). وهؤلاء لا ينقادون لربهم، ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوّهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع، ولا يتقون العقاب الذي هو أشدّ المضارّ والمهالك، ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهنيّ


الصفحة التالية
Icon