" صفحة رقم ٢٩١ "
الأنعام من بين ما خلق من الحيوان الشارب ؟ قلت : لأن الطير والوحش تبعد في طلب الماء فلا يفوزها الشرب بخلاف الأنعام ولأنها قنية الأناسي، وعامة منافعهم متعلقة بها، فكان الإنعام عليهم بسقي أنعامهم كالإنعام بسقيهم. فإن قلت : فما معنى تنكير الأنعام والأناسي ووصفها بالكثرة ؟ قلت : معنى ذلك أن علية الناس وجلهم منيخون بالقرب من الأودية والأنهار ومنابع الماء، ففيهم غنية عن سقي السماء وأعقابهم وهم كثير منهم لا يعيشهم إلاّ ما ينزل الله من رحمته وسقيا سمائه، وكذلك قوله :) لّنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً ( يريد بعض بلاد هؤلاء المتبعدين من مظان الماء. فإن قلت : لم قدم إحياء الأرض وسقي الأنعام على سقي الأناسي ؟ قلت : لأنّ حياة الأناسيّ بحياة أرضهم وحياة أنعامهم، فقدم ما هو سبب حياتهم وتعيشهم على سقيهم، ولأنهم إذا ظفروا بما يكون سقيا أرضهم ومواشيهم، لم يعدموا سقياهم.
) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (
الفرقان :( ٥٠ ) ولقد صرفناه بينهم.....
يريد : ولقد صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل عليهم السلام وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر ليفكروا ويعتبروا، ويعرفوا حق النعمة فيه ويشكروا ) فَأَبَى ( أكثرهم إلاّ كفران النعمة وجحودها وقلة الاكتراث لها. وقيل : صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة، وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل. وجود ورذاذ وديمة ورهام، فأبوا إلاّ الكفور وأن يقولوا : مطرنا بنوء كذا، ولا يذكروا صنع الله ورحمته. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ما من عام أقلّ مطراً من عام، ولكنّ الله قسم ذلك بين عباده على ما شاء، وتلا هذه الآية. وروي أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره في كل عام، لأنه لا يختلف ولكن تختلف فيه البلاد. وينتزع من ههنا جواب في تنكير البلدة والأنعام والأناسي، كأنه قال : لنحيي به بعض البلاد الميتة، ونسقيه بعض الأنعام والأناسي،