" صفحة رقم ٢٩٣ "
هاهنا : جعل كل واحد منهما في صورة الباغي على صاحبه، فهو يتعوّذ منه. وهي من أحسن الاستعارات وأشهدها على البلاغة.
) وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً (
الفرقان :( ٥٤ ) وهو الذي خلق.....
أراد : فقسم البشر قسمين ذوي نسب، أي : ذكوراً ينسب إليهم، فيقال : فلان بن فلان وفلانة بنت فلانة، وذوات صهر : أي إناثاً يصاهر بهنّ، ونحوه قوله تعالى :) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاْنثَى ( ( القيامة : ٣٩ ). ) وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ( حيث خلق من النطفة الواحدة بشراً نوعين : ذكراً وأنثى.
) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً (
الفرقان :( ٥٥ ) ويعبدون من دون.....
الظهير والمظاهر، كالعوين والمعاون. و ( فعيل ) بمعنى مفاعل غير عزيز. والمعنى : أنّ الكافر يظاهر الشيطان على ربه بالعداوة والشرك. روي أنها أنزلت في أبي جهل، ويجوز أن يريد بالظهير : الجماعة، كقوله :) وَالْمَلَئِكَةُ بَعْدَ ذالِكَ ظَهِيرٌ ( ( التحريم : ٤ ) كما جاء : الصديق والخليط، يريد بالكافر : الجنس، وأنّ بعضهم مظاهر لبعض على إطفاء نور دين الله. وقيل : معناه : وكان الذي يفعل هذا الفعل وهو عبادة ما لا ينفع ولا يضرّ على ربه هيناً مهيناً، من قولهم : ظهرت به، إذا خلفته خلف ظهرك لا تلتفت إليه، وهذا نحو قوله :) أُوْلَئِكَ لاَ خَلَاقَ لَهُمْ فِى الاْخِرَةِ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ ( ( آل عمران : ٧٧ ).
) وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (
الفرقان :( ٥٦ ) وما أرسلناك إلا.....
مثال ) إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ( المراد : إلاّ فعل من شاء واستثنائه عن الأجر قول ذي شفقة عليك قد سعى لك في تحصيل مال : ما أطلب منك ثواباً على ما سعيت إلاّ أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه. فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب، ولكن صوّره هو بصورة الثواب وسماه باسمه، فأفاد فائدتين، إحداهما : قلع شبهة الطمع في الثواب من أصله، كأنه يقول لك : إن كان حفظك لمالك ثواباً فإني أطلب الثواب، والثانية : إظهار الشفقة البالغة وأنك إن حفظت مالك : اعتدّ بحفظك ثواباً ورضي به كما يرضى المثاب بالثواب. ولعمري إنّ رسول الله ( ﷺ ) كان مع المبعوث إليهم بهذا الصدد وفوقه. ومعنى اتخاذهم إلى الله سبيلاً : تقربهم إليه وطلبهم عنده الزلفى بالإيمان والطاعة. وقيل : المراد التقرّب بالصدقة والنفقة في سبيل الله.


الصفحة التالية
Icon