" صفحة رقم ٣٤٨ "
أن هؤلاء الأفاكين قلّ من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني ؛ وأكثرهم مفتر عليه. فإن قلت :) وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ الْعَالَمِينَ ( ( الشعراء : ١٩٢ )، ) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ( ( الشعراء : ٢١٠ )، ) هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ( لم فرق بينهنّ وهنّ أخوات ؟ قلت : أريد التفريق بينهنّ بآيات ليست في معناهنّ، ليرجع إلى المجيء بهنّ وتطرية ذكر ما فيهنّ كرّة بعد كرّة : فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي اشتدت كراهة الله لخلافها. ومثاله : أن يحدّث الرجل بحديث وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية، فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه.
) وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ (
الشعراء :( ٢٢٤ ) والشعراء يتبعهم الغاوون
) وَالشُّعَرَاء ( مبتدأ. و ) يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ( خبره : ومعناه : أنه لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وفضول قولهم وما هم عليه من الهجاء وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب، والنسيب بالحرم والغزل والابتهار، ومدح من لا يستحق المدح، ولا يستحسن ذلك منهم ولا يطرب على قولهم إلا الغاوون والسفهاء والشطار. وقيل : الغاوون : الراوون. وقيل : الشياطين، وقيل : هم شعراء قريش : عبد الله بن الزبعري، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، ومسافع بن عبد مناف، وأبو عزة الجمحيّ. ومن ثقيف : أمية ابن أبي الصلت. قالوا : نحن نقول مثل قول محمد وكانوا يهجونه، ويجتمع إليهم الأعراب من قومهم يستمعون أشعارهم وأهاجيهم وقرأ عيسى بن عمر : والشعراء، بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر. قال أبو عبيد : كان الغالب عليه حبّ النصب. قرأ :) حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ( ( المسد : ٤ ) ) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ( ( المائدة : ٣٨ ) و ) سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا ( ( النور : ١ ) وقرىء :( يتبعهم )، على التخفيف. ويتبعهم، بسكون العين تشبيهاً ( لبعه بعضد ).
الشعراء :( ٢٢٥ - ٢٢٦ ) ألم تر أنهم.....
ذكر الوادي والهيوم : فيه تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم وقلة مبالاتهم بالغلو في المنطق ومجاوزة حدّ القصد فيه، حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة، وأشحهم على حاتم، وأن يبهتوا البريّ، ويفسقوا التقي. وعن الفرزدق : أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله :