" صفحة رقم ٣٥٦ "
وإنما رعب لظنه أن ذلك لأمر أريد به، ويدل عليه ) إِنّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ ( و ) إِلا ( بمعنى ( لكن ) لأنه لما أطلق نفي الخوف عن الرسل، كان ذلك مظنة لطروّ الشبهة، فاستدرك ذلك. والمعنى : ولكن من ظلم منهم أي فرطت منه صغيرة مما يجوز على الأنبياء، كالذي فرط من آدم ويونس وداود وسليمان وإخوة يوسف، ومن موسى بوكزة القبطي، ويوشك أن يقصد بهذا التعريض بما وجد من موسى، وهو من التعريضات التي يلطف مأخذها. وسماه ظلماً، كما قال موسى :) رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى ( ( القصص : ١٦ ) والحسن، والسوء : حسن التوبة، وقبح الذنب. وقرىء :( ألا من ظلم )، بحرف التنبيه. وعن أبي عمرو في رواية عصمة : حسناً.
) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِى تِسْعِ ءَايَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ (
النمل :( ١٢ ) وأدخل يدك في.....
و ) تِسْعِ ءايَاتٍ ( كلام مستأنف، وحرف الجرّ فيه يتعلق بمحذوف. والمعنى : اذهب في تسع آيات ) إِلَى فِرْعَوْنَ ( ونحوه : فَقُلتُ إلَى الطَّعَامِ فَقَالَ مِنْهُم
فَرِيقٌ نَحْسُدُ الإِنسَ الطَّعَامَا
ويجوز أن يكون المعنى : وألق عصاك، وأدخل يدك : في تسع آيات، أي : في جملة تسع آيات وعدادهنّ. ولقائل أن يقول : كانت الآيات إحدى عشرة : ثنتان منها اليد والعصا، والتسع : الفلق، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمسة، والجدب في بواديهم، والنقصان في مزارعهم.
) فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ءَايَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَاذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (
النمل :( ١٣ ) فلما جاءتهم آياتنا.....
المبصرة : الظاهرة البينة. جعل الإبصار لها وهو في الحقيقة لمتأمّليها، لأنهم لابسوها وكانوا بسبب منها بنظرهم وتفكرهم فيها. ويجوز أن يراد بحقيقة الإبصار : كل ناظر فيها من كافة أولي العقل، وأن يراد إبصار فرعون وملئه. لقوله :) وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ( ( النمل : ١٤ ) أو جعلت كأنها تبصر فتهدي، لأنّ العمي لا تقدر على الاهتداء، فضلاً أن تهدي غيرها. ومنه قولهم : كلمة عيناء، وكلمة عوراء، لأن الكلمة الحسنة ترشد، والسيئة تغوي. ونحوه قوله تعالى :) لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ بَصَائِرَ ( ( الإسراء : ١٠٢ ) فوصفها بالبصارة، كما وصفها بالإبصار. وقرأ


الصفحة التالية
Icon