" صفحة رقم ٣٨٢ "
) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ والاٌّ رْضِ أَءِلَاهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (
النمل :( ٦٤ ) أم من يبدأ.....
فإن قلت : كيف قيل لهم :) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ ( وهم منكرون للإعادة ؟ قلت : قد أزيحت علتهم بالتمكين من المعرفة والإقرار، فلم يبق لهم عذر في الإنكار ) مّنَ السَّمَاء ( الماء ) و ( من ) وَفِى الاْرْضِ ( النبات ) إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( أنّ مع الله إلهاً، فأين دليلكم عليه ؟
) قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَاواتِ والاٌّ رْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (
النمل :( ٦٥ ) قل لا يعلم.....
فإن قلت : لم رفع اسم الله، والله يتعالى أن يكون ممن في السموات والأرض ؟ قلت : جاء على لغة بني تميم، حيث يقولون : ما في الدار أحد إلا حمار، يريدون : ما فيها إلا حمار، كأن أحداً لم يذكر. ومنه قوله : عَشِيَّةَ مَا تُغنِي الرِّماحُ مَكَانَهَا
وَلاَ النَّبْلُ إلاَّ الْمَشْرَفِيُّ الْمُصَمّمُ
وقولهم : ما أتاني زيد إلا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه. فإِن قلت : ما الداعي إلى اختيار المذهب التميمي على الحجازي ؟ قلت : دعت إليه نكتة سَرية. حيث أخرج المستثنى مخرج قوله : إلا اليعافير، بعد قوله : ليس بها أنيس، ليؤول المعنى إلى قولك : إن كان الله ممن في السموات والأرض، فهم يعلمون الغيب، يعني : أنّ علمهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون الله منهم، كما أنّ معنى ما في البيت : إن كانت اليعافير أنيساً ففيها أنيس، بتاً للقول بخلوّها عن الأنيس. فإن قلت : هلا زعمت أنّ الله ممن في السموات والأرض، كما يقول المتكلمون : الله في كل مكان، على معنى أنّ علمه في الأماكن كلها، فكأن ذاته فيها حتى لا تحمله على مذهب بني تميم ؟ قلت : يأبى ذلك أن كونه في السموات والأرض مجاز، وكونهم فيهن حقيقة، وإرادة المتكلم بعبارة واحدة حقيقة ومجازاً غير صحيحة، على أنّ قولك : من في هذا السموات والأرض، وجمعك بينه وبينهم في إطلاق اسم واحد : فيه إيهام تسوية، والإيهامات مزالة


الصفحة التالية
Icon