" صفحة رقم ٣٩٣ "
هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام، جاء كالشاهد بصحته والمنادي على سداده، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان. ألا ترى إلى قوله :) صُنْعَ اللَّهِ (، و ) صِبْغَةَ اللَّهِ ( ( البقرة : ١٣٨ )، و ) وَعَدَ اللَّهُ ( ( النساء : ٩٥ ) وغيرها، و ) فِطْرَةَ اللَّهِ ( ( الروم : ٣٠ ) : بعدما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم، كيف تلاها بقوله :) الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء (، ) وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ( ( البقرة : ١٣٨ ) لا يخلف الله الميعاد ) لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ( ( الروم : ٣٠ ) وقرىء :( تفعلون )، على الخطاب. ) فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا ( يريد الإضعاف وأنّ العمل يتقضى والثواب يدوم، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد. وقيل : فله خير منها، أي : له خير حاصل من جهتها وهو الجنة، وعن ابن عباس ؛ الحسنة كلمة الشهادة. وقرىء :) يَوْمَئِذٍ ( مفتوحاً مع الإضافة ؛ لأنه أضيف إلى غير متمكن. ومنصوباً مع تنوين فزع. فإن قلت : ما الفرق بين الفزعين ؟ قلت : الفزع الأوّل : هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدّة تقع وهول يفجأ، من رعب وهيبة، وإن كان المحسن يأمن لحاق الضرر به ؛ كما يدخل الرجل على الملك بصدر هياب وقلب وجاب وإن كان ساعة إعزاز وتكرمة وإحسان وتولية. وأمّا الثاني : فالخوف من العذاب. فإن قلت : فمن قرأ ) مّن فَزَعٍ ( بالتنوين ما معناه ؟ قلت : يحتمل معنيين. من فزع واحد وهو خوف العقاب، وأمّا ما يلحق الإنسان من التهيب والرعب لما يرى من الأهوال والعظائم، فلا يخلون منه ؛ لأن البشرية تقتضي ذلك. وفي الأخبار والآثار ما يدل عليه. ومن فزع شديد مفرط الشدّة لا يكتنهه الوصف : وهو خوف النار. أمن : يعدي بالجار وبنفسه، كقوله تعالى :) فَئَامِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ ( ( الأعراف : ٩٩ ). وقيل : السيئة : الإشراك. يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة، فكأنه قيل : فكبوا في النار، كقوله تعالى :) فَكُبْكِبُواْ فِيهَا ( ( الشعراء : ٩٤ ) ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذاناً بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكوسين ) هَلْ تُجْزَوْنَ ( يجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول.
) إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبِّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِى حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَىءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْءَانَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُنذِرِينَ وَقُلِ الْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (
النمل :( ٩١ ) إنما أمرت أن.....
أمر رسوله بأن يقول :) أُمِرْتُ ( أن أخص الله وحده بالعبادة، ولا أتخذ له شريكاً


الصفحة التالية
Icon