" صفحة رقم ٥٢ "
إنَّ السَّفَاهَةَ طَاهَا في خَلاَئِقِكُم
لاَقَدَّسَ اللَّهُ أخلاَقَ الْمَلاَعِينِ
الأقوال الثلاثة في الفواتح : أعني التي قدمتها في أول الكاشف عن حقائق التنزيل، هي التي يعوّل عليها الألباء المتقدون ) مَا أَنَزَلْنَا ( إن جعلت ) طه ( تعديداً لأسماء الحروف على الوجه السابق ذكره فهو ابتداء كلام. وإن جعلتها اسماً للسورة احتملت أن تكون خبراً عنها وهي في موضع المبتدأ، و ) الْقُرْءانَ ( ظاهر أوقع موقع الضمير لأنها قرآن، وأن يكون جواباً لها وهي قسم. وقرىء ( ما نزل عليك القرآن ) ) لِتَشْقَى ( لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وتحسرك على أن يؤمنوا كقوله تعالى :) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ( والشقاء يجيء في معنى التعب. ومنه المثل : أشقى من رائض مهر، أي ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة، بعد أن لم تفرط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة. وقيل : إن أبا جهل والنضر بن الحرث قالا له : إنك شقى لأنك تركت دين آبائك، فأريد ردّ ذلك بأن دين الإسلام وهذا القرآن هو المسلم إلى نيل كل فوز، والسبب في درك كل سعادة، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها. وروى.
( ٦٨٣ ) أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالليل حتى اسمغدَتْ قدماهُ، فقالَ لَهُ جبريلُ عليه السلامُ : أبقِ على نفسِكَ فإنَّ لهَا علْيكَ حَقاً. أي : ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة، وكل واحد من ) لِتَشْقَى ( و ) تَذْكِرَةٌ ( علة للفعل، إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية، والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط. فإن قلت : أما يجوز أن تقول : ما أنزلنا عليك القرآن أن تشقى، كقوله تعالى :) أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ ( ( الحجرات : ٢ ) ؟ قلت : بلى، ولكنها نصبة طارئة، كالنصبة في ) وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ ( ( الأعراف : ١٥٥ ) وأما النصبة في تذكرة فهي كالتي في ضربت زيداً، لأنه أحد المفاعيل الخمسة التي هي أصول وقوانين لغيرها. فإن قلت :