" صفحة رقم ٥٢٩ "
بين مقتول وهارب. فقال له : ما بال إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك ؟ فقال : ما ظننت إلا أنهما في رجليّ، فأكذب الله قوله وقولهم، وضربه مثلاً في الظهار والتنبي. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كان المنافقون يقولون : لمحمد قلبان فأكذبهم الله. وقيل : سها في صلاته، فقالت اليهود : له قلبان : قلب مع أصحابه، وقلب معكم. وعن الحسن : نزلت في أن الواحد يقول : نفس تأمرني ونفس تنهاني. والتنكير في رجل، وإدخال من الاستغراقية على قلبين تأكيدان لما قصد من المعنى، كأنه قال : ما جعل الله لأمة الرجال ولا لواحد منهم قلبين البتة في جوفه. فإن قلت : أي فائدة في ذكر الجوف ؟ قلت : الفائدة فيه كالفائدة في قوله :) الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ ( ( الحج : ٤٦ ) وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصوّر التجلي للمدلول عليه، لأنه إذا سمع به صور لنفسه جوفاً يشتمل على قلبين، فكان أسرع إلى الإنكار. وقرىء :( اللايىء )، بياء وهمزة مكسورتين، و ( اللائي ) بياء ساكنة بعد الهمزة : وتظاهرون : من ظاهر. وتظاهرون. من اظاهر، بمعنى تظاهر. وتظهرون : من أظهر، بمعنى تظهر. وتظهرون : من ظهر، بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد. وتظهرون : من ظهر، بلفظ فعل من الظهور. ومعنى ظاهر من امرأته : قال لها : أنت عليّ كظهر أمي. ونحوه في العبارة عن اللفظ : لبى المحرم، إذا قال لبيك. وأفف الرجل : إذا قال : أُف وأخوات لهنّ. فإن قلت : فما وجه تعديته وأخواته بمن ؟ قلت : كان الظهار طلاقاً عند أهل الجاهلية. فكانوا يتجنبون المرأة المظاهر منها كما يتجنبون المطلقة، فكان قولهم : تظاهر منها تباعد منها بجهة الظهار، وتظهر منها : تحرز منها. وظاهر منها : حاذر منها، وظهر منها : وحش منها. وظهر منها : خلص منها. ونظيره : آلى من امرأته، لما ضمن معنى التباعد منها عدّي بمن، وإلا فآلى في أصله الذي هو بمعنى : حلف وأقسم، ليس هذا بحكمه. فإن قلت : ما معنى قولهم : أنت عليّ كظهر أمي ؟ قلت : أرادوا أن يقولوا : أنت عليّ حرام كبطن أمي. فكنوا عن البطن بالظهر ؛ لئلا يذكروا البطن الذي ذكره يقارب ذكر الفرج، وإنما جعلوا الكناية عن البطن بالظهر لأنه عمود البطن. ومنه حديث عمر رضي الله عنه : يجيء به أحدهم على عمود بطنه : أراد على ظهره. ووجه آخر : وهو أن إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان محرّماً عندهم محظوراً. وكان أهل المدينة يقولون : إذا أتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول، فلقصد المطلق منهم إلى التغليظ في تحريم امرأته عليه، شبهها بالظهر